محمد أحمد حمود

ليست تركيا قوة عظمى، ولكنها تبدو في طريقها إلى التحول لقوة رئيسية في الإقليم، وتشترك القوى الصاعدة في العالم في أنها ما إن تأخذ في الوعي بذاتها، حتى تبدأ في ممارسة النفوذ في جوارها القريب بغية التوسّع شيئاً فشيئاً. وتركيا لن تكون استثناءً، بغض النظر عن الحكومة التي تقبض على مقاليد الأمور في أنقرة.
وليس ثمة شك في أن وضع تركيا الإقليمي والدولي لم يكن في أفضل أحواله في النصف الأول من هذا العام، ليس بفعل مغامرات أو أهواء زعيم أو قيادي تركي، بل بفعل التحولات المتسارعة في منطقتنا، ثم تراكمت بعد ذلك بفعل سياسات أمريكا بإدارة أوباما في سوريا والعراق، ولا سيما بسط الحماية الأمريكية على الحزب الديمقراطي الكردستاني، الى أن وصلت المتغيرات السلبية ذروتها مع إسقاط الطائرة الروسية والقطيعة مع موسكو.
ومهما كانت توجهات الأفراد والقادة، فإن الوقائع الصلبة للجغرافيا السياسية تفرض نفسها في النهاية. سوريا مثلاً لن تنتقل إلى جوار كوالالامبور، وداعش لا يمكن أن تكون جاراً آمناً، والحزب الديمقراطي الكردستاني لن يصبح فجأة مصدر اطمئنان، وهذا ما دفع الرئيس التركي إلى القول معلقاً على عملية قوات بلاده في شمالي سوريا، إن على العالم إن يدرك أننا نوجد في هذه المنطقة.
فكانت عملية درع الفرات التي غيّرت المعادلة، حيث باتت تركيا للمرة الأولى طرفاً مباشراً في المعادلة السورية الداخلية أسوة بالولايات المتحدة وروسيا وإيران. وهذا بالنسبة إلى تركيا أفضل مما لو كانت لا تزال داخل حدودها. غير أن الخطط التركية لن تقف هنا. وإذا فعلت ذلك فسوف تكون أمام معادلة ميدانية جديدة، ستكون القوات التركية وجهاً لوجه مع القوات النظامية السورية للمرة الأولى منذ بدء الحرب في سوريا، وهذه ستكون لها حسابات مختلفة لا يمكن أحداً أن يتنبأ بخواتيمها.
كذلك تتحدث أنقرة دائماً عن مدينة منبج التي عمادها قوات الحماية الكردية بعد أن سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية، ورغم أن جانباً كبيراً من المقاتلين الأكراد قد انسحب من المدينة، غير أن بقاء بعضهم لا يزال يشكل لأنقرة قلقاً لأنها تريد أن ينسحبوا إلى شرق الفرات، كما يتحدث مسؤولوها وإعلامها.
وهنا لا بدّ من الاشارة الى أنه منذ دخول عملية درع الفرات مرحلتها الثانية المخصّصة لريف حلب الشمالي، فقد خرج مفتو وفقهاء الفصائل المسلحة الاسلامية عن صمتهم واعتبروا أنّ استمرارها يحتاج لفتوى من حضراتهم، وبرز رأيان فقهيان: الأول أفتى بجواز القتال في ريف حلب الشمالي تحت العلم التركي والثاني أفتى بتحريمه، وسبب هذا التحوّل يبدو أنه يعود الى أنّ النطاق الجغرافي للمرحلة الاولى من عملية درع الفرات كان يحصر فعالياتها العسكرية داخل منطقة نفوذ حدودية تركية صرفة. وبطبيعة الحال فإن أمريكا معنيّة باستغلال ما يحدث لرسم خطوط حمر امام عملية درع الفرات بسيف الفتاوى من «الجهاديين»، ونجحت في إبقاء عملية تركيا العسكرية داخل سوريا».
خلاصة القول أن تركيا لن تنسحب من سوريا، ولن تفتح قنوات اتصال مع نظام الأسد، ولن تقدم تنازلات تذكر لروسيا أو إيران، بل إن السياسة التركية في سوريا أصبحت أكثر تدخلاً مما كانت عليه منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، والسياسة التركية في طريقها إلى التحول لقوة رئيسية في الإقليم.