وسام الحجار

أكثر من سبعين عاماً مرت على تأسيس جامعة الدول العربية، في ظل احتلال معظم الدول العربية الأعضاء من قبل المستعمر البريطاني - الفرنسي بعد اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة.
كانت الشعوب العربية بعد سقوط السلطنة العثمانية ثم تقسيمها الى دول وإمارات، تواقة إلى إطار يجمعها، فقد اعتادت الوحدة تحت ظل راية واحدة، من زمن الخلفاء الراشدين حتى انهيار الامبراطورية العثمانية بداية القرن العشرين.
لقد عمل المحتل لسنوات كثيرة ومعهم عملاء الداخل والخارج على إقناع الشعوب بفوائد تقسيم العالم العربي، لكن المواطن العربي ظل يتوق الى الوحدة، لانه يعتبر نفسه جزءاً من أمة كبيرة فتحها اجداده، وعاش فيها حراً كريماً. 
حينها قام المحتل البريطاني باللعب على هذا الوتر، مستغلاً الحاجة الفطرية للشعوب العربية بضرورة انشاء كيان يجمعهم، فعمل على تأسيس اطار عربي جامع سمي في ما بعد بجامعة الدول العربية.
ففي 29 أيار 1941 ألقى وزير خارجية بريطانيا أنتوني إيدن خطاباً ذكر فيه «أن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا. ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضاً... وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة».
وفي 24 شباط 1943 صرّح إيدن في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين «العطف» إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية.
بعد هذا الإعلان اجتمع مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري مع كل من جميل مردم بك رئيس الوزراء السوري ، بالإضافة إلى بشارة الخوري من لبنان.. وكان هذا الاجتماع من أجل أن يتم التعاون من أجل إنشاء جامعة عربية تحتضن كافة الدول العربية وترعاهم.
وبدأت تنتشر هذه الفكرة وتنمو، وبدأ العمل الجادّ عليها من قِبل الدول العربية. ثم طرحت العديد من الأفكار حول الصورة التي ستظهر عليها هذه الوحدة العربية، إلى أن تمّ الإجماع على تحقيق الوحدة بين الدول العربيّة وبشكل لا يقترب نهائياً من الاستقلاليّة الفرديّة لكل واحدة منها. فتأسّست جامعة الدول العربية في العام 1945 وتحديداً في الثاني والعشرين من شهر آذار، حيث جمعت في ما بعد اثنتين وعشرين دولة عربية، وتحتل موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية في خريطة العالم، يزيد عدد المقيمين فيها على 400 مليون نسمة، وتمثل مركز الحضارات القديمة في العالم.
فالجامعة العربية إذاً وُلدت في فترات احتلال لكثير من الدول العربية، أي ولدت ضعيفة.. بهندسة بريطانية في فترة نهاية الحرب العالمية الثانية، تأثرت بميثاق عصبة الأمم،  وحملت مع ميلادها أسباب متاعبها وعوامل القصور فيها.
وهنا يتبادر الى الاذهان سؤال جوهري: ماذا قدّمت جامعة الدول العربية لقضايا الأمة منذ تأسيسها؟
ماذا قدمت جامعة الدول العربية في القضية الفلسطينية؟ 
ماذا قدمت عندما تم الاعتداء على غزة؟!
للقدس والمسجد الأقصى؟!
للعراق؟ ولماذا تركته يسقط سقوطاً مدوياً؟
ماذا قدمت الجامعة للأزمة الكارثية السورية؟
ماذا فعلت جامعة الدولة العربية في قضايا اللاجئين السوريين الفارّين من جحيم النظام إلى أوروبا؟
ماذا فعلت عندما جرى غزو لبنان واحتلال أول عاصمة عربية من قبل العدوّ الإسرائيلي؟!
ماذا فعلت جامعة الدول العربية عندما تم تقسيم السودان؟!
ماذا فعلت الجامعة في القضاء على البطالة داخل الأوطان العربية لوقف الهجرات العربية الشبابية غير الشرعية والموت غرقاً في المتوسط؟
أين اتفاقية الدفاع العربي المشترك؟
وماذا عن الوحدة الاقتصادية والاتحاد الجمركي العربي؟
وأخيراً وليس آخراً، نسأل: هل نحن في حاجة إلى هذا الكيان المسمّى جامعة الدول العربية أم لا؟
للإجابة على هذا السؤال، وبعد كل ما سبق، سيبقى الأمل في أن يأتي يوم تتحول فيه الجامعة العربية إلى أداة فعَّالة لخدمة الشعوب العربية، فالجامعة ليست إلا محصلة لما هو حادث، هي مرآة للأمة العربية لا ترى فيها إلا انعكاس صورتها، أي لا يمكن أن تكون الصورة إلا انعكاساً للأصل.
الواقع العربي يعاني اليوم حالة من التمزق، والجامعة ليست جامعة للأنظمة العربية بل يجب أن تكون جامعة للشعوب العربية.. ورمزاً للوجود العربي.}