د. محمد شندب

ثم دار الزمن دورته عندما بدأت الخلافة الإسلامية تتراجع أمام الز حف الغربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لقد انتهزت القوى الصهيونية الفرصة ودفعت أعداداً من اليهود كي يهاجروا الى فلسطين بدعم من الدول الغربية الحاقدة. 
وفي سنة 1897م اجتمعت المنظمات اليهودية من مختلف البلدان في مدينة بال في سويسرا وقررت العمل على قيام دولة صهيونية في فلسطين بعد خمسين عاماً. ثم تولى رئيس المؤتمر الصهيوني هرتزل مهمة التحضير لإقامة هذه الدولة.
السلطان عبد الحميد كان يراقب تدفق المهاجرين اليهود ويرصد كل تحركاتهم، لذلك أصدر عدداً من القرارات تحد من هجرة اليهود وتمنع بيع الأراضي تحت طائلة العقوبة. حاول هرتزل مرات عديدة أن يقابل السلطان عبد الحميد، ثم عرض عليه تقديم مساعدات كبيرة في ميادين الاقتصاد والصناعة والمال لقاء أن يسمح ببناء بعض المستوطنات للمهاجرين اليهود. فرد عليه السلطان قائلاً: إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، لأنها ليست ملكي بل ملك شعبي.. لقد ناضل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه. أدرك اليهود أن مخططاتهم لن تبصر النور ما دامت السلطنة قائمة لذلك قرروا التعاون مع يهود الدونمة والقوى الغربية من أجل إسقاط الخلافة العثمانية تحت شعار «طريق القدس تمر من اسطنبول»، ولما اندلعت الحرب العالمية الأولى اتصلت بريطانيا بالشريف حسين وبقيادات عربية أخرى وحرّضتهم على الثورة ضد تركيا ووعدتهم بدولة مستقلة، ولما اسفرت الحرب عن هزيمة الدولة العثمانية انكشف المخطط الغربي من خلال اتفاقية سيكس –بيكو التي تنص على أن تسيطر فرنسا على لبنان وسوريا والموصل، وبريطانيا تحتل فلسطين والأردن والخليج العربي حتى بغداد، ثم توجهت جيوش الحلفاء من مصر واحتلت فلسطين، ولما وصل الجنرال اللنبي إلى دمشق كشف عن حقيقة الحقد التاريخي الدفين في نفوس الصليبيين الجدد.
لقد وقف على قبر صلاح الدين ثم قال: قم يا صلاح الدين ها قد عدنا، واليوم انتهت الحروب الصليبية. لم تكتف بريطانيا بخداع العرب بل أخذت تحضّر لتمكين اليهود في فلسطين من خلال المنظمات العسكرية والشركات الاقتصادية المشبوهة. ولما اشتد النفوذ الصهيوني أعلنت بريطانيا عن وعد بلفورالذي يدعو لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين سنة 1917م.
وهكذا عاد الأقصى أسيراً ومن خلفه الأمة كلها لا تزال تتجرّع كأس الذل والاستكانة.
الأقصى يتألم ويصرخ، فمن يلبي النداء؟