ياسر الزعاترة

حين يُعقد مؤتمر في الكويت لأجل جمع المساعدات لإعادة إعمار العراق، فلك أن تتخيّل حجم الجريمة التي ارتكبت بحق هذا البلد.
إنها جريمة الساسة الذين فرضوا على العراق، والذين أفقرت سياساتهم بلداً مدججاً بالثروات.. أضافوا إليها إشعال حريق جاء على ما تبقى من البلاد، وقتل وهجّر الملايين.
نتذكر ذلك بين يدي الانتخابات التي كان مقرراً لها أن تجري في أيار المقبل، ثم جرى تأجيلها إلى شهر كانون أول، نهاية العام.
ونتذكر في المقابل ما جرى قبل ثماني سنوات، تحديداً في عام 2010، حين ذهب العرب السنّة إلى الانتخابات، بينما كان تنظيم الدولة قد تحوّل إلى تنظيم مطارد بلا أي أرض، وحصلوا على نتيجة جيدة رغم قانون انتخابي مجحف بحقهم، وجاءت قائمتهم في المرتبة الأولى، فجرى الالتفاف على الفوز بتشكيل ائتلاف طائفي، دون منح الكتلة الأولى حق محاولة تشكيل الحكومة. ولم يتوقف الأمر هنا، بل إن السياسات الطائفية أعادت الحاضنة الشعبية لتنظيم الدولة، ثم بدأ مسلسل التدمير والقتل الذي يعرفه الجميع.
تلك بالطبع ليست جريمة شخص وحده، وإنما تدخل طهران في المشهد العراقي، وقد قالها مقتدى الصدر مراراً، بتأكيده أن قاسم سليماني هو الحاكم الحقيقي للعراق.
اليوم، نحن أمام مشهد ما بعد احتفالات «النصر على داعش»، فمسلسل «التحرير» الذي غطاه الطيران الأمريكي واحتفلت به طهران بوصفه هزيمة لأمريكا، ترك مصائب كبيرة في المشهد الداخلي يجري تجاهلها بإقرار الموعد الأول للانتخابات، مع أن الثاني لن يكون مقنعاً دون حل المعضلات القائمة.
إنها معضلات يجب إيجاد حل لها قبل أن تتم الانتخابات في أجواء صحيحة، لا سيما ما يتعلق بإعادة النازحين والمهجّرين إلى بيوتهم ومناطقهم، مع العلم أن كثيرين منهم لن يعودوا خشية تجدد العنف، وهم محقون بالطبع بعد المسلسل الذي تابعوه من قبل.
في هذا السياق، يقول رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي رعد الدهلكي، إن ثلاثة ملايين نازح فقط عادوا إلى منازلهم، وهم يشكلون أربعين في المئة من مجموع النازحين.
ويتهم الدهلكي العراق بالتلكؤ في عمليات إعادة النازحين، بالرغم من وجود قرار برلماني، يلزم الحكومة باتخاذ عدد من الإجراءات قبيل إجراء الانتخابات.
ويضيف أن البرلمان صوّت على خريطة طريق ملزمة للحكومة لإعادة النازحين، تضم أحد عشر بنداً، أولها وأهمها تشكيل تحالف مؤسساتي لجميع الوزارات الخدمية والأمنية، مهمته اتخاذ الإجراءات اللازمة لعودة النازحين إلى مناطقهم بتوفير المناخ المناسب للعودة.
إذا بقيت هذه الأجواء دون تقدم حقيقي، فإن فرص العرب السنّة في تكرار النتيجة التي حصلوا عليها في عام 2010 لا تبدو متوافرة، لا سيما أن القانون مجحف بحقهم أصلاً. ويبقى التنافس الأكبر بين كتلتي المالكي والعبادي، وكلاهما للمفارقة من حزب الدعوة.
في بلد تحكمه ميليشيات سليماني، وتعبث به أمواله (الأمريكان لا يزالون هنا للتذكير أيضاً)، وفي بلد لديه هذا الحشد الهائل من المهجّرين، لا يمكن الحديث عن انتخابات ذات قيمة حقيقية، وإن بدت الأصوات المناهضة لإيران عالية، سواء انحازت إلى العبادي أو إلى مقتدى الصدر ومن معه، والذين شكلوا قائمة «سائرون» وضمّت شيوعيين وليبراليين، ما دفع مستشار خامنئي (ولايتي) إلى مهاجمتهم، أو صوّتت لقوائم عربية سنيّة.
والخلاصة التي ننتهي إليها هنا، هي ذاتها التي انتهينا إليها دائماً في الحديث عن وضع العراق، وهي أنه ما لم تُحجّم الهيمنة الإيرانية على العراق، ويشعر العرب السنّة بتغير حقيقي حيالهم، فإن موجات عنف قادمة ستندلع من جديد.}