بسام ناصر

تلجأ بعض الأنظمة الاستبدادية من أجل توطيد أركان حكمها، إلى الاستعانة بمشايخ ودعاة يعملون في ظلها، ويمشون في ركابها، فتمنحهم قدراً محدوداً من حرية الكلمة والحركة، الموجهة بالطبع، فتؤسس لهم مؤسسات دعوية، وتقيم لهم مراكز بحثية وعلمية، تخصص لها ميزانيات جيدة، تمكنها من أداء الدور المطلوب منها بسلاسة وكفاءة. 
يحسب بعض أولئك المشايخ والدعاة أنهم بتقربهم من ذلك النظام السياسي، الذي يمنحهم قدراً محدوداً ومدروساً من الامتيازات الدعوية، إنما يستثمرون ذلك النظام لصالح نسقهم الديني، وهو ما يمكنهم من نشر أفكارهم وإشاعة توجهاتهم، لكنهم يغفلون أو يتغافلون عن أن النظام هو الأقوى على استثمارهم بما يخدم مصالحه، ويمكنه من تحقيق أجنداته.
لعبة الأنظمة الاستبدادية في استخدام الاتجاهات الدينية باتت مكشوفة ومعلومة، فهي لا تقرّب ذلك الاتجاه وتبعد الآخر حباً في الدين ذاته، أو تفضيلاً منها لاتجاه ما لذاته، بل تفعل ذلك لضرب الاتجاهات الدينية بعضها ببعض من جهة، ولتقليم أظافر اتجاه ما بتقوية اتجاه آخر، وشواهد ذلك متوافرة لمن تتبع أداء كثير من الأنظمة في علاقاتها مع الاتجاهات الدينية المختلفة. 
ليس مستغرباً أن تلجأ الأنظمة إلى فعل ذلك، لأنها تدير شؤون حكمها بالمنطق النفعي البراغماتي المعروف، فهي تريد تحقيق مصالحها بأي وسيلة ممكنة، وعبر أي تحالفات أو توظيفات تمكنها من فعل ذلك، لكن المستغرب حقاً هو اندفاع مشايخ ودعاة للقيام بأداء ذلك الدور، وهم يدركون تماماً طبيعة اللعبة التي ينخرطون فيها، لكنهم يخدعون أنفسهم قبل غيرهم حين يحاولون الظهور بمظهر المتجرد في أداء عمله، والحريص على مصلحة الدين والوطن.
تتبدى طبيعة توظيف تلك الأنظمة لأولئك المشايخ والدعاة، بقصر دورهم على أعمال بعينها لا يسعهم تجاوزها، كانخراطهم في مواجهة التطرف والغلو، وهي المهمة التي تريدهم الأنظمة حصر نشاطاتهم في دائرتها، لكن أولئك المشايخ والدعاة وهم يجدّون ويجتهدون في أداء الوظيفة المطلوبة منهم، يتغافلون عن كثير من معالجة ومواجهة بعض الأسباب المنشئة لكثير من حالات التطرف والغلو، كالاستبداد السياسي، والظلم الاجتماعي، واحتكار السلطة والثروة، وانسداد الأفق السياسي.. وما إلى ذلك.
كما تتجلى بعض جوانب المهمة الوظيفية لأولئك الدعاة والمشايخ، في سرعة استجابتهم لتوجيهات تلك الأنظمة بمهاجمة اتجاهات دينية معينة، وإظهار بعض الشخصيات والرموز الدينية الدعوية بمظهر المنحرف عن المنهج القويم، وتلبسها ببدع ومنكرات وانحرافات دينية، ما يتطلب الحجر عليها، ومنعها من ممارسة الدعوة والخطابة والتدريس والكتابة، بذريعة أنها تضلل أفكار الشباب، وتشيع في أوساطهم الأفكار الضالة والمنحرفة.
وحين يستمرئ بعض أولئك المشايخ والدعاة القيام بتلك الوظيفة التي تكلفهم بها الأنظمة، فإنهم لا يترددون حينذاك في استعداء الأنظمة على بعض الاتجاهات والشخصيات الدينية المخالفة لتوجهاتهم، فتراهم يحرّضون السلطات عليهم، فيقدمون نصائحهم وتوصياتهم بالتضييق عليهم، وربما أفضت نزعة الاستحواذ على المشهد، بإقصاء مخالفيهم باعتقالهم وزجهم في السجون. ولا يبعد بحال على تلك الأنظمة الاستبدادية أنها وهي تسعى لتحقيق مصالحها، أن تنقلب على من قربتهم اليوم من المشايخ والدعاة، فتبعدهم لتقرّب خصومهم السابقين، تبعاً لتغير المعادلات السياسية. وهكذا يستمر التلاعب بالاتجاهات الدينية وتوظيفها بحسب مصالح الأنظمة وأجنداتها، التي تجد الطريق أمامها دائماً معبداً وممهداً، لقابلية كثير من تلك الاتجاهات للتوظيف والاستحمار.}