محمد أبو رمان

بالرغم من انضمام المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى الروس والإيرانيين لتأكيد مقتل البغدادي، فإنّ الجزم بصورة نهائية بذلك غير ممكن، إن لم يتحقق عن طريق طرفين آخرين، الأول هم الأمريكيون، الذين يقيمون جهوداً استخبارية وأمنية أكبر في تتبعه، ويعلنون عادة حين يكونون متأكدين، والثاني، بطبيعة الحال، هو تنظيم داعش نفسه.
لكن ماذا لو تجاوزنا سؤال التأكّد من مقتله إلى ما هو أهمّ؛ أي تأثير لذلك على مستقبل التنظيم وهو يمر بهذه اللحظة المفصلية في وجوده، بعدما خسر «دولته» ثم «خليفته»؟
هنالك مستويان من النتائج، المستوى الأول المعنوي والرمزي، فسيتأثر التنظيم وأنصاره بخبر مقتل «الزعيم»، في هذه اللحظة، التي يخسرون فيها الأرض والقيادات والنسبة الكبيرة من مقاتليه، الذين قتلوا خلال العام المنصرم، إمّا بمواجهات مباشرة في الموصل وريفي حلب والرقة، أو بقصف أمريكي. ويكفي أنّ التنظيم كان قد أعلن بعد شهور عديدة من معركة الموصل بأنّ أعضاءه نفذوا ما يزيد على 1200 عملية انتحارية!
ستكون ضربة رمزية، قاسية، لأحد أهم مصادر الدعاية والتجنيد لدى التنظيم، الذي تفوّق في توظيف فكرة «دولة الخلافة» واليوتوبيا الإسلامية، ذلك الحلم الذي يراود مخيال عشرات الآلاف من الشباب المتطرف، جرّاء قراءة تراثية مختلة، مما ساهم في قدرته على التجنيد، واستقطاب أعداد كبيرة ممن يرغبون بدولة تقدّم هوية إسلامية موهومة!
كل ذلك صحيح تماماً على المستوى القصير، لكن على المدى البعيد، فإنّ التجارب السابقة تؤكّد أنّ التنظيم لن ينتهي أيديولوجياً وثقافياً، وهو الجانب الأخطر، وحتى عسكرياً وعملياتياً، فمقتل قيادات أعلى شأناً لدى الراديكاليين الإسلاميين لم ينهِ مشروعاتهم، بل نقلها إلى مرحلة أكثر خطورة، كما حدث مع أسامة بن لادن، وقيادات الصفّ الأول من القاعدة، وكما حدث مع مؤسس داعش نفسه، وهو أبو مصعب الزرقاوي، ولن يكون الأمر مختلفاً مع «الخليفة الصوري»؛ لأنّ المهندسين الحقيقيين للصعود الثاني للتنظيم (منذ عام 2013) هم قيادات عسكرية، كانت في جيش صدام حسين، مثل أبو علي الأنباري، أبو مسلم التركماني، وبكر حاجي، وعبد الرحمن البيلاوي، هؤلاء (الذين قتلوا جميعاً) هم الجهاز الحقيقي للقيادة الميدانية.
ما هو أهم وأخطر، أنّ التنظيم قد يتحول إلى «ماركة مسجّلة» كما حدث مع القاعدة قبله في نهاية عام 2001، عندها سندخل في مرحلة جديدة، أكثر تعقيداً وصعوبة، ونسخة جديدة أكثر حذراً وذكاء وقدرة على التكيّف!
 إذاً، سيتحول التنظيم إلى حرب العصابات، وسيفرز مرحلة جديدة ويركّز على الخلافة الافتراضية، لصيانة قدرته على التجنيد والدعاية، بعدما تبددت «يوتوبيا الخلافة» مؤقتاً، كما أنّ ثقل التنظيم وعملياته سينتقل إلى مناطق أخرى، كما حدث مؤخراً في الفلبين، وربما إفريقيا، وسيناء.
إذا، كيف يمكن إنهاء التنظيم أو توجيه الضربة القاصمة له، إذا كانت كل هذه الحروب لم تنهِ المشكلة، بل ربما تضاعفها؟!
الجواب: بالحلول السياسية العميقة، فهذا التنظيم هو ابن الأزمة الإسلامية السنّية في المنطقة، وغياب العدالة والدمج والمشكلات البنيوية، التي ولّدت النزوعات الراديكالية، والتي لبست بدورها ثوب الحركات المتشددة دينياً أو اجتماعياً أو سياسياً؟}