بلال الطبعوني

قالوا في السابق إن لبنان المعافى هو صمام أمان العرب، وهو فعلاً كان كذلك. فإذا رجعنا إلى التاريخ وجدنا ان لبنان كان دائماً يقف في خط الدفاع عن قضايا العرب، وفي خط المناصرة والمواجهة مع العدوّ الصهيوني، كما كان دائماً ملجأً ومستودعاً للأبطال والمقاومين والعروبيين، حتى ولو وُجدت حالات شاذة هنا أو هناك. 
أضف إلى أن لبنان بتعدديته كان مصدر غنى للوطن العربي ومحط أنظار الجميع، وصلة وصل بين الأقطار والشعوب العربية بمختلف ثقافاتها وجغرافياتها.
أما اليوم، فنجد أن لبنان تكفيه أزماته ومشكلاته السياسية والاقتصادية، بل وتفيض عنه. فالطبقة السياسية الحاكمة تقدم للشعب الفشل تلو الفشل، والإخفاق تلو الاخفاق، والعجز تلو العجز، ولا نرى غير الكيدية والاصطفاف واللعب على الوتر الطائفي، ومحاولة الكسب شعاراً دائماً للسياسيين والمسؤولين.
الشعب اللبناني في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيش فيها، وصل إلى حد اليأس.. بلد من غير رئيس للجمهورية لأكثر من سنتين، وعندما اقتربت عملية انتخاب الرئيس، ازداد الاصطفاف الحزبي والسياسي، وكأن أزمة انتخاب الرئيس ستزداد بانتخابه. أضف إلى الأزمات، الشلل الحكومي والتشريعي الحاصل، والخلاف على الانتخابات وقانونها، ما يزيد من تعقيد الأزمة.
وإذا عرجنا على الأزمات اليومية والحياتية، لا بدّ أن نذكر بأزمة النفايات التي تملأ العاصمة، وهي الوجهة السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية الأولى في البلد!! فضلاً عن مشكلة الكهرباء التي تستعصي على الحل، وغيرها من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، حتى أن المواطن اللبناني أصبح يقف متعجباً، كيف يمكن لشبهَ الوطن هذا أن يبقى واقفاً على رجليه مع كل هذه المعاناة.
ستطل علينا في الأيام القليلة القادمة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ومع ان اللبنانيين لا يعوّلون كثيراً على جلسة انتخاب الرئيس بعد التسويات التي تحصل، سواء أتم الانتخاب أم لم يتم، بل ويرى أكثر المتفائلين ان الأزمة ستتعقد والكيدية في التعامل ستزيد في ما بعد، عند تشكيل الحكومة، والاتفاق على قانون الانتخابات، لكن في الوقت نفسه يرى البعض ان وجود رئيس في قصر بعبدا حتى لو لم يكن عليه إجماع وطني، فإنه سيفتح المجال لحلحلة أزمات اخرى.. وكأن البلد قد كتب عليه ان يخرج من أزمة ليدخل في أخرى، فيما ينتظر اللبنانيون بصيص أمل ليرجع لبنان بلداً معافى.
على خط الأزمة الحاصلة، نلاحظ سقوط التحالفات التقليدية بين الأحزاب والحلفاء التقليديين، وبداية تشكل حالة جديدة، تقوم حالياً على الاستقطاب السياسي، ويمكن أن تُترجم في ما بعد إلى تحالفات جديدة تخوض الانتخابات النيابية. 
وعلى الرغم من أن لبنان يعتبر بلد الديموقراطية والتعددية كما يقال، تُظهر لنا الحالة التي وصلنا إليها، و«سياسة أنا أو لا أحد» في التعامل بين الفرقاء، أن لبنان أصبح بلد التسويات لا الديموقرطية، وأن البد أصبح مسرحاً وساحة للقوى الخارجية الفاعلة لتظهر قوتها وسطوتها وتأثيرها.
في النهاية لا بدّ من طرح السؤال التالي: هل سيخرج الدخان الأبيض من مجلس النواب إلى قصر بعبدا في جلسة 31 تشرين الثاني؟ وإذا حصل الانتخاب.. ماذا سيكون شكل البلد في مستقبل الأيام؟!!