عبد القادر الاسمر

يفتخر المسلمون بحدوث أبرز الاحداث المصيرية في شهر رمضان المبارك، من بينها «غزوة بدر الكبرى» وفتح مكة المكرمة ومعركة عين جالوت وفتح الأندلس وحرب العاشر من رمضان أو 6 تشرين الاول 1973 التي استعاد فيها العرب صحراء سيناء وعوّضوا بذلك بعضاً من هزيمة 5 حزيران 1967 وسوى ذلك من الأحداث الهامة التي حدثت في شهر الصوم وأكدت أهمية هذا الشهر في حياة المسلمين ودوره في إيقاد الحماسة في النفوس الّتي استمدّت العزم من بركات الشهر الكريم وتحفيز هذه الأمة على تجاوز مشاقّ الصوم وقساوة حرارة الطقس الملتهبة مما جعل أبناء الأمة يتباهون  ببطولات المسلمين الأوائل رغم الظروف غير الملائمة، ولكنه الإيمان الصادق الذي أثار إعجاب العالم بأسره.
لكن رمضان هذا العام خرق القاعدة حيث ابتلي العرب بصراع الأخوة في الخليج العربي والاستنفار الشامل في المواجهات البرية والبحرية والجوية وقطع العلاقات الدبلوماسية وتضييق الحصار على دولة قطر وفشل وساطات الكويت، ونداءات الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، ولا يبدو أنّ هناك حلاً قريب المدى بل تتزايد دعوات السعودية والإمارات والبحرين ومصر الى تأكيد اتهام قطر بدعم الإرهاب ووضع العلّامة الشيخ يوسف القرضاوي على «لائحة الإرهاب» الأمر الذي فاجأ المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي بهذه التهمة التي تلقى صدى ارتياح لدى الأوساط الاسرائيلية والإدارة الأميركية.
لماذا صمت العرب والمسلمون عن اتخاذ مواقف معتدلة تحفظ لطرفي النزاع آرائهما وحريتهما وتمنع المزيد من الانهيار بين الدول العربية الحيوية لها دورها الأساسي في اقالة عثرات المسلمين الاقتصادية ودعم المناطق الفقيرة في نكباتها المختلفة، ما يدفعنا إلى مناشدة دعم الأمة للاستنفار من أجل وضع حدّ لهذه الممارسات الجاهلية التي لا يرضى عنها الإسلام ولا المسلمين في هذا الشهر الكريم. وبماذا نجيب أولادنا على أسئلتهم حول الخلاف المستشري بين دول الخليج؟ وهذه انتكاسة مروعة بين هذه الدول وطاولت المواطنين الأقرباء والمتصاهرين والذين يواجهون أقسى الظروف وأصعبها ولا يتجرأون على الاعتراض على التدابير المستنكرة والتي لا سابق لها في تاريخ هذه الدول سابقاً.
إنها أحجية تزداد صعوبة كلما جرت محاولات لحلّها وفكّ رموزها، ولا بأس أن تستمتع «إسرائيل» بهذه الأحداث التي تخفّف عن كاهلها هموم دول الخليج ودور أميركا في تحييدها عن مجابهة العدوّ الاسرائيلي لتكون الصورة مشوهة عن العرب وتقصيرهم في عدة أزمات تعترض مسيرتهم وحل مشكلاتهم المستعصية بسبب غياب الوحدة وتفشي النزعات الاستقلالية والانفصالية مما حول بلدان العرب إلى كيانات متباعدة ومتعارضة ولا آمال واحدة تجمع مواطنيها.
نعم، حدث هذا في رمضان وكل القوى العربية والإسلامية مدعوّة الى أن تساهم في وضع حدّ لهذه الأزمة المستنكرة والتي تقضّ مضاجع المسلمين من حيث لا يدرون وقد فاجأتهم هذه الأزمة التي تحدث لأول مرة في تاريخ هذه الدول، فإلى متى يستمر السكوت عن الاصلاح بين الإخوان أم أنّ الامور تنحدر الى الاسوء؟ وهل بعد صراع الاخوّة من همّ يعصف بالعرب والمسلمين الذين كانوا يأملون أن يكون رمضان شهر الخيرات والوئام بين هذه الدول؟ آملين أن تنفرج الأحوال وألا ينتهي هذا الشهر إلا بنتيجة سارّة تمسح الكآبة عن وجوه المسلمين وتعيد لرمضان سيرته بأنه شهر البطولات والوئام والسلامة.}