بلال الطبعوني

   شرعت السلطات اللبنانية ببناء جدار إسمنتي حول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، الذي يقطنه أكثر من ثمانين ألف نسمة قرب مدينة صيدا في جنوب البلاد.
الجدار الذي أخذت معالمه تتضح للعيان على طول الجهة الغربية من المخيم، يبلغ ارتفاعه بين خمسة وستة أمتار، وتقام عليه أبراج مراقبة، فيما لم يتضح بعد طول هذا السور الإسمنتي وما إذا كان سيلتف حول المخيم بأكمله أم سيقتصر على جهات معينة تعتبر «خاصرة رخوة أمنياً».
تقول مصادر أمنية لبنانية إن رفع الجدار جاء لأسباب أمنية بحتة، ولا نية أبداً لعزل المخيم أو محاصرته، مؤكدة أن إقامة الجدار جاءت بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيم.
التسريب بأن الفصائل الفلسطينية كانت على علم ببناء الجدار أثار حفيظة الكثيرين وأحدث لغطاً كبيراً، حيث أكد مصدر فلسطيني من داخل المخيّم أن الفصائل داخل المخيم على معرفة مسبقة بقرار الجيش اللبناني الذي أبلغهم به منذ مدّة، وكذلك على معرفة بموعد التنفيذ، ولكن مسؤولي تلك الفصائل يتجنبون الحديث عن الموضوع لسببين: الأول هو أن قرار الجيش اللبناني حازم في هذا المجال وغير قابل للنقاش، وبالتالي لا جدوى من اثارة الرأي العام الفلسطيني حوله، والثاني من أجل عدم إثارة حفيظة أكثرية أهالي المخيم من الفلسطينيين الذين رأوا في بناء الجدار أمراً عنصرياً يشبه «جدار الفصل العنصري» في الضفة الغربية الذي بنته إسرائيل لفصل مستوطناتها عن أراضي الشعب الفلسطيني. 
على إثر تسريب معلومات عن علم الفصائل الاساسية في المخيم بموضوع الجدار من عدمه، وبعدما أصبح الشروع ببناء الجدار أمام مرأى الجميع، وبعد الارتباك الذي سيطر بداية على موقف القيادات الفلسطينية، خرجت هذه القيادات بمواقف خاصة بالحدث المستجد، حيث عقدت القيادة السياسية للقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في منطقة صيدا، اجتماعاً طارئاً في قاعة مسجد «النور» في مخيم عين الحلوة، دعت خلاله الحكومة اللبنانية إلى إعادة النظر في بناء الجدار الإسمنتي حول المخيم ، ما يحوّل المخيم إلى سجن كبير ويزيد من معاناة سكّان المخيم، ويسيء إلى العلاقة الأخوية للشعبين الفلسطيني واللبناني.
أما حركة حماس فقد أصدرت بياناً رفضت فيه سياسة العزل الجماعي للمخيمات الفلسطينية ودعت لحوار فلسطيني لبناني شامل. وقال البيان إننا نرفض أي إجراء سياسي أو أمني يهدد مصالح اللاجئين الفلسطينيين ويؤثر سلباً على حقوقهم الانسانية وحياتهم الاجتماعية ومنها بناء الجدار.
من جهته رأى مسؤول العلاقات السياسية في حركة الجهاد الإسلامي في لبنان شكيب العينا ان هناك تفهماً فلسطينياً للاجراءات الأمنية التي يتخذها الجيش اللبناني حتى الآن حول مخيم عين الحلوة والتي تهدف لسد ما يعتبرها الجيش ثغرات قد تشكل مصدر خلل أمني.
وقد أكدت عصبة الأنصار الإسلامية بعد لقاءات مع قوى لبنانية وفلسطينية «ضرورة العمل على وقف بناء الجدار»، ونبهت العصبة «من تداعيات سلبية لهذا الجدار كونه يسيء إلى العلاقة اللبنانية الفلسطينية ويفتح الباب أمام المصطادين في الماء العكر».  
لكن قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب ينفي القلق الذي يبديه الفلسطينيون في عين الحلوة.  ويضيف أن اجتماعاً عقد مع السلطات الأمنية اللبنانية، وقد «قدمنا بعض الملاحظات على مسار الجدار وأبراج المراقبة، وقد وافقت السلطات على مطلبنا بإجراء بعض التعديلات».
مواقع التواصل الإجتماعي حفلت بالمواقف المنددة والرافضة لبناء هذا الجدار مهماً كانت مسمياته وأشكاله، ووصفته «بجدار العار». وقد أكد الجميع أن هذا الإجراء غير مقبول بأي حال.
لا شك أن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من المد والجزر في موضوع الجدار الأمني حول المخيم، وقد يتم إيقاف المشروع أو تعديله، بما يتوافق مع أهالي المخيم وفصائله، لكن لا بد ّمن التنويه أن هذا الإجراء إن تم أو استمر العمل فيه، فقد يزيد من حدة التوتر والإحتقان داخل المخيم، وغير مستبعد أن يصدر عن البعض ردود فعل سلبية أو انتقامية بسبب الوضع الجديد، خصوصاً أن أهالي المخيم يعانون من التضييق وانعدام مقومات الحياة الأساسية والسليمة والسوية داخل المخيم.