عبد القادر الاسمر

آخر تفتقات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب كانت حظر الهجرة على المسلمين القادمين من «مناطق بؤر الإرهاب» حسب تصنيفه، الى أن يتوصل الى آلية تمكنه من الفصل بين «المتطرفين» وغيرهم. وللحقيقة هو ليس تفتقاً أو قراراً مزاجياً صدر عنه، بل هذا الإجراء وعد به في إحدى المكونات الاساسية لبرنامجه الانتخابي عن الحزب الجمهوري، يضيف إليه «الاختبار الايديولوجي» يخضع له كل الذين يريدون الدخول الى الولايات المتحدة. ويشمل هذا القرار مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة هي العراق وليبيا والصومال والسودان واليمن وإيران، بمنعهم دخول الولايات الأميركية لمدّة 120 يوماً، ومن بينهم إذاً اللاجئون بسبب الحرب في سوريا.
وسرت مفاعيل هذا القرار منذ الأسبوع الماضي، فتمّ احتجاز رعايا الدول السبع الذين حطّت طائراتهم على الأراضي الأمريكية، داخل المطارات التي وصلوا إليها، فيما لم يسمح لآخرين التوجه إلى الولايات المتحدة انطلاقاً من دول أخرى. 
وما يزيد الأمور تعقيداً هو تصريح ترامب اللاحق بأن هذا القرار لا يستهدف المسلمين، أضف اليه التصنيف بحد ذاته الذي شمل الدول الغارقة في الأزمات السياسية، والتي اعتبرها ترامب دولاً مصدرة للإرهاب، وكأن هذا الرئيس يفتقد الى الحد الأدنى من المعرفة بالدول المصدرة للإرهاب وأولها تونس التي لم يشملها هذا القرار، أو أنه رئيس غير جدّيّ في تسمياته! ولا أحد يفهم فحوى أو مقصد الاختبار الايديولوجي، هذا إلا إذا كان الانتحاري وتنظيمه مثلاً من الغباء ما يكفيه للتصريح عن أهدافه الإرهابية عند محاولته الحيازة على تأشيرة سفر!
وهذا القرار أيضاً بمفعول رجعي تأثر به حملة البطاقة الخضراء «غرين كارت» المتواجدين حالياً داخل الأراضي الأمريكية، الملزمين بالتواصل مع موظف قنصلي قبل المغادرة، وسيخضعون إلى تدقيق اضافي في حال كانوا يسافرون من وإلى الولايات بصورة دائمة ومتكررة.
وبصرف النظر عن علامات الاستفهام الكبيرة التي تحيط بهذا القرار المتهوّر، والذي نطق به رئيس دولة منتخب بكامل إرادة الشعب، لا  يسعنا سوى التمعن في ارتدادات هذا القرار على العرب والمسلمين، بعين الحسرة عساها ألا تكون شماتة يضمرها لنا الاخرون.
كيف لا ونحن نقف بالصفوف الطويلة أمام أبواب هذه السفارة لدخولها بعد الخضوع لفحص أمني دقيق بهدف الحصول الى تأشيرة؟ وإذا كنا ممن حالفهم الحظ نُمنح هذه التأشيرة، وفي الحال الأخرى يُرفَض الطلب دون ذكر السبب. وغالبية الذين يطمحون اللواذ بهذا «الفردوس المفقود» يبذلون من اللحم الحي ليستطيعوا استيفاء الاجراءات القانونية الطويلة التي تتطلبها الاقامة في بلاد الجزّار.. عفواً العمّ سام. وتحتار السيدات الحوامل كيف يبتلعن بطونهن لعدم اظهارها بعد أن يخططن لوضع أطفالهن في هذه البلاد، من بينهن إحدى القريبات الّتي سافرت الى بوسطن في ميعاد ولادتها لتمنح الجنسية الأميركية لطفلتها التي لم تولد بعد. كان الأمر يحتمل مجازفة لكنها قالت لي بالفم الملآن أن الحائز على الباسبور اللبناني كمن لا باسبور له، ومن الافضل أن تخطط لأمل ولو ضئيل يفتح نافذة لها ولعائلتها بعد نحو عشرين سنة الى أميركا حيث بإمكان ابنتها الأميركية الولادة أن تمنح هذه الفرصة لأهلها وأخوتها، لأن «حامل هذا الجواز تحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية  فوق أي أرض وتحت أي سماء» هكذا كُتب على الباسبور الأمريكي.
ولكن هؤلاء عرفوا شيئاً وغابت عنهم أشياء. اليوم ترامب لهؤلاء جميعاً بالمرصاد لندخل نحن، عرباً ومسلمين، عهداً موغلاً في الظلم والاهانة والهوان طمعاً ببلاد لا تشبهنا في أي من مقوماتها، لنخضع لمزاجية ترامب وتهوره. ولعلها تكون صفعة مؤلمة لكنها منجية من أوهام مبالغ بها نسجناها حول الكرامة والعيش الكريم المتوفران في هذه البلاد، لتأتي الأحداث اليوم، أكثر من أي يوم، فتثبت لنا العكس. وليكن هذا القرار الذي يبحث له ترامب عن مخارج قانونية عبرة لمن يريد أن يعتبر.