عبد القادر الاسمر

... وبو رقيبة هذا ابن الرئيس الأسبق لتونس الحبيب بورقيبة الذي حكمها منذ نيل استقلالها عن فرنسا طوال ثلاثة عقود واشتهر عنه بآرائه المخالفة للشرع الحنيف فضلاً عن دعوته في الستينات لإقامة صلح عربي-إسرائيلي، ما أثار استنكار بعض الشعوب العربية وتمّ قذفه بالبندورة المهترئة والبيض الفاسد أثناء زيارته بيروت.
ولكن لم يطل الأمر ببعض العرب وبخاصة منظمة التحرير الفلسطينية، فحقّقت دعوة الحبيب بو رقيبة ولتظهر آثارها «الحكيمة» في مؤتمر مدريد و«اتفاقية أوسلو» وكامب دايفد ووادي عربة ورحلة «السلام» الشهيرة لأنور السادات الى تل أبيب فحظيت «إسرائيل» بما تخطط له عندما أطلق العرب شعارهم «الارض مقابل السلام» وربحت «إسرائيل» الأرض والسلام معاً.
وليست دعوة التطبيع مع العدوّ الصهيوني هي «المأثرة» الوحيدة للسيئ الذكر الحبيب بو رقيبة هذا، بل اشتهر بعدائه للدين الإسلامي وللمؤمنين وإصداره جملة قرارات تطاول المتمسكين بهذا الدين، فأمر بمنع صيام شهر رمضان، ومنع ارتداء الحجاب، وحرّم الوظائف الرسمية والجامعات على المحجبات ومنع تعدد الزوجات، وحاصر الشباب المؤمن ولاحق مصلّي الفجر، وحرّم الكتب الدينية، واقتدى بهذا السلوك المعادي للاسلام العديد من الدول العربية والاسلامية التي سارت على نهج بو رقيبة، وخاصة في ملاحقة الشباب المؤمن والضغط على المحجبات وإلصاق التهم المفبركة لهم بالخيانة وتدبير الانقلابات على النظام وزجهم في السجون دون محاكمة أو في محاكمات صورية مفبركة. 
وعلى نهج «المجاهد الاكبر»، هكذا لقّب نفسه، سار خليفته زين العابدين بن علي الذي ازداد تعنتاً ومطاردة للشباب المؤمن والفتيات المحجبات وضاقت بهم السجون والمنافي حتّى قامت «ثورة الياسمين» التي اطاحت بن علي الذي سرق مئات ملايين الدولارات من الشعب التونسي وضاقت خزائنه بقناني المسكرات، ورغم ذلك حظي بملجأ في بعض دول الخليج، بدل تركه ليحاكمه الشعب التونسي على جرائمه وسرقاته وتعسفه. ويبدو أن بو رقيبة لا يزال حياً بآرائه وتعليماته، وهذا ما يتضح من الفتاوي الشيطانية التي أطلقها من يدعي أنه يمثل المسلمين في تونس، والذي يفترض به أن يحافظ على الشريعة ويقف في وجه من يتعرّض لها، فإذا به يفتي بأن للأنثى مثل حظ الذكر في الميراث، وكذلك اجازة زواج المسلمة بغير المسلم، ما أثار الرأي العام الاسلامي الذي طالب بعزله من منصبه لأنه عدو للشريعة والمسلّمات الدينية، وهو يعلم تمام اليقين ما أجمع عليه الشرع الحنيف من بطلان زواج المسلمة من غير المسلم، وصواب الشرع الاسلامي بأنه للذكر مثل حظ الانثيين وهذا له دراسات أجمعت على صوابية هذا الرأي.
ويبدو أن مآثر السيئ الذكر الحبيب بو رقيبة تتمثلها العديد من أنظمة العرب تعسفاً على مواطنيهم وتقييداً لحرية المؤمنين في العبادة وحرية الرأي ورميهم بتهم شتى تحريضاً عليهم ومحاولة عزلهم عن العامّة أملاً في التخفيف من تأثيرهم على المجتمعات والشعوب العربية. لقد كان الأولى ببعض العرب أن يحيوا ذكرى مرور مروّج التطبيع مع العدوّ الاسرائيلي والداعي لتحريم صيام رمضان ومنع الحجاب وتحريم تعدد الزوجات ومساواة الرجل بالمرأة في الميراث والموقف العدائي من الشباب المؤمن إرضاء لأميركا والصهيونية العالمية.
حقاً اننا نمر في أزمات تطالعنا من كل حدب وصوب. أزمة وجود، أزمة هوية، أزمة عقيدة، أزمة مصالحة مع النفس. ويعبث بنا المتآمرون الذين يدّعون الدفاع عن هذه الشعوب المقموعة وإن هم إلا أعداء لنا ويسيرون على خطى بورقيبة الذي يبدو أنه لا يزال حيّاً.}