عبد القادر الأسمر
من المتعارف عليه ان تحتفل الامم بذكريات انتصاراتها عبر التاريخ تستلهم منها العبر والمواقف وتحيي الثقة بنفوس أبنائها الذين يفتخرون بتاريخهم وبرجالاتها الذين خاضوا المعارك الحاسمة حفاظاً على استقلال بلادهم وجدارتها في الاستمرار والعيش الكريم بين سائر الأمم.
ويبدو أن ليس لدى أمة العرب من ذكريات مبهجة في التاريخ الحديث، بل مسلسل هزائم وفتن ومصائب اطاحت مكانتها بين الأمم وأصبحت لعبة بأيديهم، وهي التي كانت قد أطاحت المعسكرين الغربي الروماني والشرقي الفارسي، وحافظت على مكانتها وحضورها ودورها في المجتمع الدولي.
ولن نعمد هنا الى البكاء وجلد الذات وهذا من شيم العاجزين والمقصرين، ولكننا سنقف مع اليوبيل الذهبي لذكرى هزيمة العرب في 5 حزيران 1967 للوقوف على عبرها ومسبباتها مهما كانت قاسية وقد اتخمت المقالات و الدراسات الجادة التي توقفت عند أسباب هذه الهزيمة.
واعتقد انه لم يكن هناك من تحليل منطقي وصريح لهذه الهزيمة النكراء, فقد عمدت وسائل الإعلام المأجورة الى رمي التهم في ملعب الإسلاميين والفكر الإسلامي كما يزعم صادق جلال العظم في تخريفه كتاب « نقد الفكر الديني» ولم يجرؤ أحد في حينه على الجهر بعدم مسؤولية الحالة الإسلامية عن هذه الهزيمة خشية اتهامه بأنه من «الإخوان المسلمين»، مع أن معظم افرادها باتوا نزلاء سجون ليمان طره وأبو زعبل والواحات والمزة وتدمر وصيدنايا يسامون سوء العذاب إكراماً لصبيان القومي والشيوعي والماركسي والعلمنة، وهم الذين يعلمون انه لو اتيح مجال لمشاركة الإسلاميين في هذه الحرب لانقلبت الموازين وتغير التاريخ، وكفى العرب بضعة عقود من الذل والهوان. وكان الأجدر بزعماء هذه المرحلة الاعتراف بالتقصير وجريمة توسيد الأمر لأصحاب الكيف والمجون الذين كانوا يتحلقون حول مائدة المخدرات ليلة 5 حزيران. وتحتل «إسرائيل» في ستة أيام صحراء سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية، فيما يفتخر بعض المتخرصين بأن الأنظمة لم تهزم واستمرت على سياستها بالبطش والتنكيل بمن يرفضون عبادة الزعيم والحزب. ورغم تلك الممارسات المخابراتية، فقد شهدت البلاد صحوة مباركة عادت الى اطرافها وعقيدتها تعلن سقوط العقائد الفاسدة والمستوردة والغريبة عن واقعنا وعاداتنا وتاريخنا المشرق والمشرف. وتطالعنا هذه الأيام ايضاً بذكرى مرور سبعين سنة على نشوء الكيان الإسرائيلي في أيار 1948 وتقهقر عدة جيوش عربية عن خوض المعركة بإيمان وعزم، وتعالت فضيحة الاسلحة الفاسدة من فدائيين إسلاميين وبخيانة بعض العرب وعدم اخلاص بعضهم الآخر ولتبدأ مآسي شعب فلسطين المستمرة. ولم تحزم الأمة العربية أمرها لدحر هذا الكيان، واستغلت قضية فلسطين لتثبيت وجودها على كراسي الحكم تنكل بشعوبها وتتهمهم بخيانة القضية، ولتستمر هذه الحالة بضع عقود، وليبدأ مسلسل جديد من مسلسلات الطغيان والقضاء على المسلمين السنّة في سوريا، والتهمة جاهزة «اخوان مسلمين» فتهدم مدينة حماه وتزدحم السجون بآلاف المؤمنين، فيما تعج سجون مصر بكل رافض لولاء الزعيم الأوحد المتهاوي في هزيمة نكراء.
لقد أدرك الشعب العربي حقيقة هذه الهزائم المنكرة وبات على يقين بأن أزمته هي مع الأنظمة التي تدعمها الصهيونية العالمية لمصلحة الكيان الإسرائيلي، وما مقررات القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض الأخير شاهد على نسيان قضية فلسطين وعدم ذكرها في أي بند من توصيات الفضيحة, وها هو تاريخ الذل والعار يعيد نفسه.}