العدد 1692 /13-2-2025

زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان حملت دلالات كثيرة وعديدة وإن كانت في أساسها زيارة تفقدية للرعية وقد ظهر ذلك في برنامج الزيارة بشكل عام، ولم تكن زيارة سياسية لأنّ البابا أساساً، وإن كان يشغل منصب رئاسة دولة "الفاتيكان"، غير أنّ المنصب بحدّ ذاته هو منصب ديني وليس سياسياً.

لقد رافقت الزيارة حملة إعلامية واسعة ركّزت بشكل أساسي على السلام، كما ركّزت على تصوير كما لو أنّ البابا حمل السلام إلى لبنان، والحقيقة وإن كان البابا داعية سلام ويحمل إيّنما حلّ وارتحل دعوة السلام ورسالة السلام، وهو حملها بالفعل إلى لبنان، غير أنّ الواقع الذي عاشه ويعيشه لبنان والذي يمكن أن يأتي قريباً لا يوحي أنّ السلام قريب، وأنّ اللبنانيين سيعيشونه فعلاً وواقعاً، خاصة في ظلّ التهديدات الإسرائيلية التي لم تتوقف ولم تنقطع لحظة حتى أنّ الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ظلّت تجوب الأجواء اللبنانية على الرغم من تواجد الضيف الكبير (البابا) في لبنان غير آبهة بدعوة ورسالة السلام التي حملها للشعب اللبناني.

لبنان فعلاً بحاجة إلى السلام والهدوء وقد أكّد على لسان مسؤوليه التزامه بمندرجات اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقّع في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024، كما جدّد دعوته مراراً وتكراراً لمفاوضات مع الاحتلال من أجل تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وما يتصل به بما في ذلك انسحاب قوات الاحتلال من جنوب لبنان، وإطلاق سراح الأسرى، فضلاً عن حصر السلاح في لبنان بيد الدولة اللبنانية، وقد أكّدت بيانات قوات الطوارئ الدولية أنّ الجيش يقوم بدوره وواجبه لإخلاء منطقة جنوب الليطاني من السلاح، غير أنّ ما يعيق ذلك في بعض المناطق من جنوب الليطاني هو تواجد قوات الاحتلال في بعض النقاط والتلال.

لقد أدارت قوات الاحتلال الظهر لدعوات لبنان المتكرّرة للتفاوض من أجل تنفيذ وتطبيق وقف إطلاق النار، وظلّت تمارس القصف والاغتيال والتوغّل ونسف المنازل تحت عناوين وذرائع واهية، وظلّت تضغط لإرغام لبنان للنزول على شروطها والاستسلام لها، وهو ما ينسف كل دعوة للسلام وكل محاولة للتهدئة وكل مسعى لوقف الحرب وإطلاق النار. وبهذا المعنى فإنّ قوات الاحتلال عملت على إفساد وإفشال زيارة البابا إلى لبنان، وضرت من خلال خطواتها ومواقفها مساعيه ودعواته لإرساء السلام والتخلّي عن الحروب والعيش بهدوء وكرامة.

لقد استنجد لبنان بـ "البابا" وأكّد الإلتزام بدعوته للسلام، وبذل ما يجب من أجل ذلك مع الحفاظ على السيادة والقرار الحر والكرامة الوطنية، ولعلّ البابا من خلال زيارته إلى لبنان أراد أن يبعث برسالة تؤكّد على إرساء السلام في لبنان وترفض الحرب والعدوان عليه، غير أنّ قوات الاحتلال وكيانها ضربا بعرض الحائط كلّ تلك المساعي والأهداف النبيلة وتجاوزتها بهدف فرض إرادتها وأجندتها في المنطقة على حساب شعوب المنطقة ودولها، وتحقيقاً لأحلام متوهّمة تنسف كل مساعي السلام، وتجهض المشاريع الأفكار والنوايا الطيّبة التي حملها البابا ويحملها محبّو السلام عبر العالم.

د. وائل نجم