العدد 1675 /6-8-2025
د. وائل نجم
لم تتمكذن الحكومة في اجتماعها يوم الثلاثاء في
قصر بعبدا من التوصل إلى اتفاق أو إلى قرار بخصوص البند الذي كان في صدارة جدول
أعمالها وهو حصرية السلاح بيد الدولة وفرض سيادتها على كامل أراضيها، أو بمعنى آخر
بند سحب أو نزع السلاح من أيدي ما سوى الجيش وقوى الأمن الداخلي ومؤسسات الدولة
الأمنية والعسكرية الأخرى، وهذا يطال بشكل أساسي فصائل المقاومة اللبنانية وفي
طليعتها حزب الله، وسلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان.
والحقيقة
أنّه من حقّ الدولة أن تفرض سيادتها على كامل أرضها وأن تحفظ هذه السيادة، وأن تحمي مواطنيها، وأن يكون قرارها نابعاً عن
قناعة مؤسساتها والذين يشغلون هذه المؤسسات، ولا جدال ولا مراء في ذلك. ومن حقّها
أيضاً أن تحتكر السلاح وتمنع انتشاره وتفلّته وما يحدثه ذلك من فوضى واضطراب وعدم
استقرار على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
ولكّن
الحقيقة ايضاً أنّ مطلب حصرية السلاح أو بالأحرى نزعه وسحبه من فصائل المقاومة هو
مطلب أمريكي إسرائيلي بالدرجة الأولى، والجميع في لبنان بات يعلم أنّ دفتر الشروط
الذي يتضمّن سحب السلاح قد حمله المبعوثون الأمريكيون إلى لبنان من زمن
"هوكستين" إلى زمن "بارّاك"، جميعهم طالب بسحب السلاح من
المقاومة تحت عنوان قيام الدولة من أجل مساعدة لبنان على النهوض واستعادة عافيته
الاقتصادية والمالية، وبحجة أنّ انتشار السلاح بأيدي غير الأجهزة العسكرية
والأمنية الرسمية "خلق" أو أوجد دويلة داخل الدولة راحت تهيمن على
الدولة وتملي عليها شروطها وسياساتها حتى أنّ "الدويلة" احتكرت قرار
الحرب والسلم نيابة عن الدولة التي يجمع عليها اللبنانيون ولكنهم يختلفون على
"الدويلة".
قد
يكون هذا العنوان صحيحاً إلى حدود معيّنة في ظل الممارسات التي شهدها لبنان خلال
العقدين الأخيرين على أقلّ تقدير، فقد تعطّلت الاستحقاقات الدستورية أكثر من مرّة،
وجرى تغيير مسارات ومناخات البلد أكثر من مرّة، وتمّ تجاوز نتائج الانتخابات أكثر
من مرّة، ويمكن الحديث عن كثير من القضايا والأمور التي أعطت هذه الانطباعات، وكان
يتمّ إرجاع كلّ ذلك إلى قضية السلاح خارج الدولة ومؤسساتها. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ
استحضار هذه الممارسات والعناوين يتمّ على قاعدة "كلام حقّ يراد به
باطل". فاليوم يتمّ الضغط على لبنان وعلى مؤسساته وقياداته في مسألة سحب
السلاح انطلاقاً من مصلحة "إسرائيل" وليس استجابة لقيام دولة جدّية
حقيقية في لبنان، إذ أنّ مصلحة كيان الاحتلال تقضي بتجريد الجميع في المنطقة (دول
وشعوب وقوى سياسية وغيره) من أيّ شكل من أشكال أو عنصر من عناصر القوّة، حتى يتمّ
لهذا الكيان إحكام السيطرة والتحكّم بهذه المنطقة ومنها لبنان.
أمام
هذا التحدّي يكون الجميع في لبنان أمام مسؤولية الحفاظ على عناصر القوّة المتوفّرة
للبنان وليس لفئة منه، دون التفريط بها أو التخلّي عنها، وبموازاة ذلك استعادة
قرار الحرب والسلم ليكون بيد الدولة ومؤسساتها الدستورية التي يجمع اللبنانيون
عليها. بمعى آخر، لبنان في هذه المرحلة بحاجة إلى التوصل إلى استراتيجية أمن وطني
تحدّث عنها رئيس الجمهورية في خطاب القسم، تأخذ بعين الاعتبار خبرة كلّ القوى التي
انخرطت في يوم من الأيام في مواجهة الاحتلال، وتستفيد من تنظيم السلاح المتوفّر
حالياً ليكون جزءاً من قوّة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، ومن دون الإخلال
بالتركيبة المتوازنة في المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية.
لا
شكّ أنّ الوصول إلى هذه المعادلة المتوازنة ليس سهلاً في ظلّ تعنّت البعض في
الداخل، وضغط البعض من الخارج، وتوهّم البعض في إمكانية قلب المعادلات لصالح إنتاج
صيغ جديدة على حساب الوطن ومكوّناته، ولكّنه أيضاً ليس مستحيلاً إذا صفت النوايا
واستشعر الجميع حجم الخطر المحدق باللبنانيين جميعاً.
بيروت
في 6/8/2025