العدد 1379 / 25-9-2019
الدكتور وائل نجم

مفاجئة كانت تحركات الشعب المصري ليل الجمعة الفائت عندما استجاب بشكل منقطع النظير لدعوة الفنان والمقاول "محمد علي ، بالنزول أمام منازلهم وفي شوارعهم للتعبير عن رفضهم لبقاء عبد الفتاح السيسي على رأس السلطة والنظام في مصر، إلا أن الاستجابة كانت أكبر من المتوقع، فقد اندفع الشعب المصري في أغلب المحافظات والمدن إلى الميادين، وأطلق العنان لصرخاته التي أكد فيها على رفض بقاء السيسي في السلطة، بل أكثر من ذلك ، كسر حاجز الخوف والصمت، وأنزل صور السيسي في أكثر من مدينة وميدان وداسها بالأقدام دون أن يكترث لأي شيء أو أي تهديد.

هي في الحقيقة موجة ثورية جديدة يطلقها الشعب المصري بعد أن ضاقت به السبل وضاعت كرامته على يد أولئك الذين يحكمون مصر بالحديد والنار، بل وضاعت الكرامة المصرية في تعامل أولئك وانصياعهم للإرادة الإسرائيلية الأمريكية دونما نظر أو اعتبار لكرامة مصر أو دورها وتاريخها المجيد في مواجهة الاحتلال الانكليزي ومن بعده الاسرائيلي.

يمكننا القول إن الربيع العربي الذي بدأ في العام 2011 مع ثورة يناير ومن قبلها ثورة الياسمين في تونس، عاد يزهر من جديد. عاد ليؤكد أن الشعوب مصرّة على نيل حريتها وحقوقها وإن غلت التضحيات. وهذا يعيد الأمل إلى الشعوب العربية كافة. تلك الشعوب التي حاول الطاغي المستبد خنق إرادتها، وقتل الحس فيها، وسلبها حقوقها من خلال سطوته واستبداده وجبروته. ومع كل آلة القمع والقهر التي استخدمها وارتكب بها المجازر والأهوال، إلا أنه لم يستطع أن يخيف الأحرار والجماهير التي ظلّت متمسكة بحقوقها وثورتها وكأنها تمسك الجمر والرماد.

الموجة الثورة الجديدة زرعت الأمل من جديد بإمكانية انتصار الشعوب ونيل حقوقها وحريتها. فالثورات المضادة التي انطلقت مدعومة بالنفط والدولار والقوة والجبروت تارة، والتغاضي عن الإجرام والمجازر وضرب منظومة حقوق الإنسان تارة أخرى، وصلت إلى طريق مسدود. استنفدت كل أغراضها وطرقها وأدواتها، ولم تستطع أن تحقق مرادها، ولا مراد أولئك الجبابرة الذين يدعمونها طمعاً بخيرات وطاقات ومقدرات منطقتنا، وخوفاً من نهضتنا وقيامنا. استنفدت تلك الثورات المضادة كل ذلك ووصلت إلى حالة اليأس والتراجع والسقوط، وهي لن تستطيع الصمود طويلاً أمام الموجة الثورية الجديدة، لأنها باتت مثخنة بالجراح من كل حدب وصوب، وتفقد الشرعية الشعبية التي سامتها سوء العذاب. لذا فإن الأمل معقود الآن وقبل الغد على الشعب المصري الصابر الذي يمكنه من خلال هذه الموجة الثورية الجديدة، وفي ظل الضعف والتضعضع الذي يعانيه معسكر الثورة المضادة، وانشغال الداعمين الإقليميين والدوليين بمشاكلهم وأزماتهم، وهي كثيرة ومربكة بالنسبة لهم، يمكن للشعب المصري، أن يعيد التوازن إلى المنطقة، ويطلق موجة ثورية فيها كلها تنهي حالة التسلط والاستبداد والتزوير، وتعطي الأمة قوة دفع جديدة تجعلها تستعيد توازنها في صراعات الأمم والشعوب، وتمكنها من تثبيت أقدامها في مواجهة المشاريع التي تستهدف طاقاتها ومقدراتها وثرواتها. الأمل معقود على وعي الشعب المصري بضرورة الإفادة من هذه الفرصة المتاحة لتغيير ليس وجه مصر فحسب حتى تستعيد حضورها ودورها التاريخي الرائد، إنما أيضاً لتغيير وجه المنطقة كلها لتستعيد هويتها الحقيقية ودورها الحضاري على مستوى العالم. ومن هنا نؤكد ان المسؤولية الملقاة على عاتق هذه الشعب العظيم عظيمة، وقديماً قال الشاعر : "على قدر أهل العزم تأتي العزائم" ، فالشعوب تتطلع إليكم، وأملها بكم ومع موجة ثورية جديدة أقوى من الأولى حتى يعود الحق إلى أصحابه، وتكون دولة الشعوب، دولة الحقوق والعدالة والمؤسسات.

د. وائل نجم