العدد 1520 /20-7-2022

تكبر الأزمة في لبنان يوماً بعد يوم، وتتسع الهوّة بين طبقتي الفقراء والأغنياء، وتنتشر الفوضى الإدارية ومعها الفساد في ظل غياب الحلول من ناحية والمحاسبة والمراقبة من ناحية ثانية، ويدفع المواطن اللبناني بالنهاية الثمن لكل ما يعيشه الوطن من انسداد في الأفق السياسي، وانهيار اقتصادي وحتى أخلاقي، حتى أنّ الأزمة تكبر كلّ يوم عن اليوم الذي سبقه، ومعها يتعزز الفساد وينتشر أكثر فأكثر حتى يكاد يتحوّل إلى ظاهرة اجتماعية مألوفة يتعاطها المواطنون جميعاً.

ومن المظاهر التي عزّزت من فرص انتشار الفساد وتجذّره في مؤسسات الدولة وحتى في المجتمع أنّه مع ازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمعيشية وارتفاع الأسعار والغلاء، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، لجأت الإدارات العامة إلى الإضراب العام، ومن ثمّ المفتوح، ولم يعد يحضر إلى المرافق العامة إلّا عدد قليل من الموظفين تحت عنوان تسيير المرفق.

ومع أنّ كل مواطن لبناني يقدّر ويشعر حجم الأزمة والمعاناة التي يعيشها كل موظف وكل مواطن أيضاً بالنظر إلى حجم الخسارة التي مني بها الجميع بسبب تراجع القدرة الشرائية وانهيار العملة الوطنية أمام الدولار. ومع تقدير كل مواطن لحجم الكارثة التي حلّت بالجميع ومنها ارتفاع أسعار المحروقات وعدم قدرة الكثيرين الانتقال من أماكن سكنهم إلى أماكن عملهم بسبب ذلك. ومع شعوره بأنّ هذا الموظف بات مظلوماً فيما يتقاضه من راتب أو بدل نقل أو خلافه، وتقديره لغيابه عن العمل بضعة أيام في الأسبوع أو الشهر، غير أنّ الشيء الذي لم يستوعبه المواطن اليوم هو كيف أنّ هذا الواقع المؤلم والذي يكتوي به الموظف والمواطن على حدّ سواء فتح الباب أمام فرصة جديدة، للأسف، للفساد.

المعروف أنّ الموظفين في الإدارات العامة دخلوا منذ فترة في إضراب عام احتجاجاً على تدّني قيمة رواتبهم ومستحقاتهم المالية، وهذا مقدّر ومعروف. ثمّ تحوّل الإضراب من عام إلى إضراب مفتوح أُقفلت فيه أبواب الإدارات العامة بوجه المواطنين، وتعطّل إنجاز المعاملات، وتعطّلت معه مصالح المواطنين وبعضها ضروري وملّح ومستعجل، وبات الشلل هو السمة العامة، وبات على المواطن أن ينتظر حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً من أجل إنجاز معاملة هو بأمس الحاجة إليها. قد يكون ذلك مفهوماً ومقبولاً إذا كان في إطار الضغط على المعنيين من أصحاب الشأن والقرار من أجل التسريع بإيجاد الحلول والخروج من نفق هذه الأزمة المظلم. مع التذكير دائماً أنّ المسؤول عن هذه الأزمة وعن إيجاد الحلول لها هم أولئك الذين يشغلون مواقع القيادة والقرار في الدولة ولا يأبهون للأسف لكل معاناة المواطنين والموظفين!.

غير أنّ ما هو غير مقبول، وما هو مادة لتعميم الفساد وتوسيعه وانتشاره، هو أن يبدأ بعض الموظفين ممارسة نوع من الابتزاز للمواطنين في ظل الإضراب والإقفال بحيث يتم ابتزاز المواطنين وإرغامهم على دفع بدلات مالية عالية مقابل تنفيذ معاملات إدارية تخصّهم بوقت سريع. بمعنى آخر بدأ بعض الموظفين استغلال الإضراب والإقفال لفرض "خوّات" على المواطنين مقابل إنجاز معاملاتهم الإدارية، بحيث يتصل صاحب المعاملة بالموظف الذي ينفذ الإضراب في منزله، ويعطيه مثلاً مبلغ مئة أو مئتي دولار أو أكثر أو أقل بحسب نوعية المعاملة وأهميتها وأهمية الحاجة إليها مقابل أن يحضر الموظف إلى الإدارة التي يعمل فيها وينجز هذه المعاملة لصاحبها. وهذا ما شكا منه الكثير من المواطنين، وهو ما يتمّ العمل به في العديد من الإدارات اليوم التي باتت محتكرة لبعض الموظفين الذين وجدوا فيها باباً جديداً ومُدرّاً للأموال من دون أدنى اكتراث لما يصيب المواطنين من كوارث بسببها.

إنّ الحلّ الحقيقي يبدأ من محاسبة أصحاب القرار الذين لا همّ لهم حالياً سوى مصالحهم الخاصة، ولا يكترثون لمواطنيهم، ولا لموظفيهم وهم أصلاً من المواطنين. ومن ثمّ فإنّ المحطات الصعبة التي يمرّ بها الوطن تقتضي أن يتكافل ويتعاضد ويتعاون الجميع مع بعضهم فالأزمة تنال من الجميع، والموظف الذي يمارس "الابتزاز" و"التشبيح" اليوم من خلال استغلال أخيه المواطن قد يكون هو نفسه ضحية هذا "الابتزاز" و "التشبيح" أمام موظف آخر عندما يؤدّي هو دور المواطن، وبالتالي لا ينبغي لنا فيما بقي لنا من هذا الوطن أنّ نحوّل ما بقي لنا من قيم إلى فساد منتشر حتى لا نعاقب بالجملة.

د. وائل نجم