العدد 1340 / 5-12-2018
وائل نجم

بقلم : وائل نجم

إنسداد أفق الحلّ السياسي في لبنان لناحية أزمة تشكيل الحكومة، على الرغم من مرور قرابة ستة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيلها، دفع نحو تصاعد الخطاب والتعبوي في الشارع اللبناني بما أنذر بخروج الأمور عن نطاق السيطرة، والإنزلاق نحو الفتنة، التي يمكن أن تحرق الأخضر واليابس في لبنان.

فخلال الأيام الماضية، ومن غير سابق إنذار، سوى فشل كل المحاولات لإقناع الرئيس المكلف سعد الحريري، توزير أحد النواب السنّة الستة في الحكومة، على حساب حصة كتلته النيابية، برز خطاب توتيري تخويني فيه الكثير من الإتهامات الشخصية والسياسية ، وفيه طعن بالأعراض، التي طالت الرئيس المكلف، وحتى والده (الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، فضلاً عن تحميل الحريري الأبن مسؤولية عدم تشكيل الحكومة وأزمة البلد على المستويات كافة.

الخطاب التوتيري تولّاه الوزير السابق وئام وهّاب، وحمل فيه حملة قاسية على الحريري الأب والأبن، ما استثار الشارع المؤّيد للحريري , فلجأ أتباع هذا التيار إلى التعبير عن سخطهم من خطاب وهّاب من خلال قطع بعض الطرقات ليلاً بالإطارات المشتعلة، سرعان ما عملت القوى الأمنية والجيش على فتحها. فيما لجأ محامو هذا التيار إلى التقدّم بدعوى أمام النيابة العامة يتهمون فيها وهّاب بمحاولة إثارة الفتنة والفوضى في الشارع اللبناني، فضلاً عن القدح والذم بحق شخصيات سياسية لبنانية حيّة وميتة، وقد تحركت النيابة العامة لتوقيف وهّاب، إلا أن مسلحيه تصدّوا للقوى الأمنية بالسلاح وإطلاق النار العشوائي وفي الهواء، ما خلط الأمور وأعادها إلى المربع الأول، ونتج عن ذلك مقتل أحد مرافقي وهّاب (محمد أبو دياب) , وقد تباينت الروايات حول أسباب مقتله وكيفية حصول ذلك.

الأخطر في كل ما جرى أن وهّاب حاول استثارة الرأي العام الدرزي في لبنان وسورية ضد الدولة اللبنانية، واعتبر دخول قوة معزّزة من الأمن اللبناني إلى بلدته (الجاهلية) لإحضاره من أجل المثول أمام القضاء نوعاً من التعرّض لكرامات الناس، وراح بعد ذلك يطلق الاتهامات لشخصيات كبيرة في الدولة، سواء في الحكومة أو الأمن أو القضاء بقتل مرافقه، ويتوعد بالإنتقام وتقديم دعوى أمام القضاء بحقهم، فضلاً عن أنه لم يتراجع عن توجيه الإتهامات والتعرّض لتلك الشخصيات في الموضوع الشخصي.

وقبل ذلك بيوم واحد فقط , أطلق وهّاب لمسلحيه العنان , حيث نظّموا مسيرات سيّارة مسلحة في أغلب قرى وبلدات جبل لبنان ذات الأغلبية الدرزية، بما في ذلك بلدة الزعيم الدرزي ، وليد جنبلاط في المختارة، ما حدا بجنبلاط إلى القول إن المختارة خط أحمر، كما أنه أكد على وقوفه هو وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، الشيخ نعيم حسن، إلى جانب الدولة في القيام بواجبها بحماية الجبل من الفوضى والفلتان الأمني.

والحقيقة أن وهّاب لا يجرؤ على القيام بهذا العمل وهذا التصرّف الذي بلغ مبلغاً رفضه معظم اللبنانيين من المرجعيات الرسمية والدينية، لولا الغطاء السياسي الموفّر له من قبل قوى سياسية وحزبية مسلحة داخل البلد، ومن جهات إقليمية خارجه، وهو ما كشفته جريدة "الأخبار" عندما أوضحت أن مسؤول الأمن والارتباط في حزب الله، الحاج وفيق صفا، اتصل أثناء تواجد القوة الأمنية أمام مدخل منزل وهّاب في بلدته "الجاهلية"، بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي، والمدعي العام اللبناني، رافضاً توقيف وهّاب، وسوقه إلى التحقيق، وإلا فإن الأمور تخرج عن السيطرة وتتحول إلى حمام دم.

لا شك أن ما حصل كان بمثابة اللعب على حافة الفتنة، ومحاولة لإخافة الأطراف السياسية أو غير السياسية في البلد، وقد يكون الهدف من وراء ذلك هو الضغط بطريقة خشنة من أجل تشكيل حكومة على المقاسات التي تريدها تلك الأطراف.

يصحّ القول إن لبنان تجاوز هذه المرّة قطوع فتنة جديدة كادت تندلع لولا تدارك الشرارة في ربع الساعة الأخير، ولكن ليس كل مرّة تسلم الجرّة , إذا استمر البعض في اللعب على حافة الفتنة , دون تقدير العواقب.