العدد 1431 / 7-10-2020
د. وائل نجم

قبل بضعة أيام أعلن رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، في مؤتمر صحفي التوصّل إلى اتفاق إطار بين لبنان و"إسرائيل" اللفظة التي استخدمها الرئيس برّي على غير عادته، بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية ورعاية الأمم المتحدة، وذلك بعد قرابة عشر سنوات من المفاوضات التي رعاها الجانب الأمريكي من خلال الموظفين في الخارجية الأمريكية الذين كانوا يزورون لبنان بشكل شبه دوري ويلتقون الرئيس برّي.

وبغض النظر عن الشكليات التي تتصل بكل ما جرى من مفاوضات ومباحثات، خاصة لناحية تولّي الرئيس برّي، كرئيس للمجلس النيابي تلك المفاوضات، وليس الحكومة أو رئيس الجمهورية، فإنّ تلك المفاوضات أفضت اليوم إلى اتفاق إطار للمفاوضات المرتقبة.

ولتوضيح الصورة أكثر فإنّ اتفاق الإطار يعني أنّ الأـطراف المعنيّة توصّلت إلى اتفاق على شكل المفاوضات وعلى الطريقة التي ستجري بها وعلى النقاط التي ستتناولها، أي المضمون الذي سيجري عليه التفاوض، وعلى الحدود المرسومة لأعضاء وفود التفاوض، أو بشكل آخر المسموح لهم البحث فيه وغير المسموح لهم البحث فيه، إلى آخر ما هنالك من مسائل تتصل بالشكل على وجه الخصوص. أمّا مسألة المضمون أو ما يمكن أن تفضي إليه المفاوضات وفق الإطار المقرّ والمتفق عليه فذاك شيء آخر، لأنّ ذلك يتوقف على الظروف، وعلى اعتبارات الأطراف، وعلى ما يريده كل طرف من تلك المفاوضات، وهذه الأمور جميعاً قد تشكّل في لحظة من اللحظات مناخاً مؤاتياً لإقرار أية اتفاقية بغض النظر عن مضمونها، أو بالعكس قد يعقّد الأمور بحيث أنّ عمليات التفاوض قد تمتدّ لسنوات طويلة من دون إحراز أي تقدّم كبير أو ملموس فيها.

إنّ الحديث عن التوصّل إلى اتفاق إطار بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي يثير القلق والهواجس عند الكثيرين، وهذا مشروع وحق، خاصة وأنّ أغلب اللبنانيين جبلوا على رفض هذا الكيان المحتل، وعدم الثقة به أو الركون إليه، وهم الذين خبروها على مدى عقود من الاعتداءات والاحتلال والمقاومة.

غير أنّه لا يمكن إغفال بعض الأمور التي لا بدّ من التوقف عندها والتي تتزامن مع مسألة إعلان اتفاق الإطار.

فلبنان يعيش تحت ضغط وحصار اقتصادي وسياسي كبير يفاقم كل يوم من حجم الأزمة القائمة والمفتعلة، وهو يدفع الأثمان جراء السياسات الداخلية المسؤولة عنها الطبقة الحاكمة، والسياسات الخارجية التي تريد تطويع الإرادة الوطنية لضم لبنان إلى الدول التي تنخرط في عملية تطبيع مع كيان الاحتلال. وما من شكّ في أنّ هذا الحصار والعقوبات يفعل فعله في الداخل اللبناني بحيث أنّ أغلب اللبنانيين باتوا يعيشون تحت خط الفقر بسبب انهيار قيمة العملة في مواجهة العملات الأجنبية، وهذا يضع المواطنين أمام تحدّيات تحصيل لقمة العيش والاستمرار. ومن الواضح أن سياسة العقوبات والحصار آخذة بالازدياد والاستمرار والتوسّع لإرغام لبنان على القبول بما تريده السياسات الدولية للمنطقة.

كما وأنّ خطوة إعلان اتفاق الإطار جاءت بالتزامن مع إعلان بعض الحكومات العربية عن خطوات تطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ما أوجد نوعاً من القلق والهواجس عند قطاعات واسعة من اللبنانيين من مغبة أن تكون خطوة التفاوض مقدمة لعملية تطبيع أو تسويات جديدة تعيد خلط الأوراق بالداخل اللبناني فضلاً عن وجهة الصراع مع العدو الإسرائيلي، ولبنان لا يحتمل هذا الشيء، فضلاً عن أنّ مثل هذا الموضوع يشكّل انقلاباً لكل القيم والمفاهيم التي تربّت عليها أجيال كثيرة من اللبنانيين.

الأمر الثالث، وهو أن خطوة إعلان الاتفاق على إطار للتفاوض جاءت قبيل فترة وجيزة من الانتخابات الأمريكية الرئاسية المقررة مطلع شهر تشرين الثاني المقبل، وبالتالي فهل لهذا الاستحقاق علاقة بهذا الانجاز التي يمكن أن يؤثر بنتائج الاستحقاق الأمريكي؟!

البعض ذهب في حديثه عن اتفاق الإطار على أنّه اعتراف بالعدو، وهذا صحيح، ولكنه اعتراف بالتواجد أكثر مما هو اعتراف بالشرعية، وأساساً فإنّ فعل المقاومة يُعتبر اعترافاً بالتواجد أيضاً.

يبقى المهم أن تظلّ مسافة الحدود قائمة وحاضرة بين ترسيم الحدود مع ما يمكن أن يكون للكثيرين من ملاحظات ومآخذ عليها، وبين عدم الوصول إلى حدّ التطبيع التي تفقد لبنان ومقاومته أبرز قيمة لهما بعد أن هزما العدو وأرغماه على الانسحاب من الأراضي اللبنانية دون شروط باستثناء مزارع شبعا التي ما تزال تنتظر التحرير.