العدد 1330 / 26-9-2018
وائل نجم

بين غياب الحكومة وتعثّر الإصلاح .. الفساد يتمدد!

على الرغم من مرور قرابة أربعة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن شيئاً لم يحصل في هذا الملف، وبقيت القوى السياسية متمسّكة بمطالبها وشروطها للحصول على حصص وزارية وازنة ، مقابل الانخراط في الحكومة ومنحها ثقة نوابها. وبالتالي ما زال الانتظار سيّد الموقف حتى اليوم، وقد يستمر طويلاً، خاصة أن المجلس النيابي، وبغطاء من القوى السياسية كافة، لجأ إلى ما سمّاه "تشريع الضرورة" ، مع إدارك الجميع أن هذا التشريع فيه مخالفة دستورية واضحة، إذ كيف يمكن أن يجري التشريع في ظل عدم وجود حكومة، وهي التي تملك الحق الكامل لاسترداد أي قانون من أجل درسه أو إدخال تعديلات عليه وما سوى ذلك، وهي الجهة التي ستقوم بتنفيذه.

وعلى الرغم من سمفونية الحديث الطويل والعريض عن الإصلاح ووقف الهدر والفساد، وعلى الرغم من إنشاء وزارة في الحكومة المنتهية الولاية، هي حكومة مكافحة الفساد، إلا أن غياب الحكومة بفعل الخلاف على الحصص والمقاعد، وحضور منطق المحاصصة بدل منطق المصلحة الوطنية العليا، وغياب الإصلاح الحقيقي الفعلي والجدّي، وغياب أية محاولة جدّية حقيقية لمكافحة الفساد، نجد أن الفساد يستشري في معظم مفاصل الدولة وإداراتها، بل ويتمدد أكثر فأكثر دون أن ينبري أحد لوضع حدّ جدّي له، حتى أولئك الذين أعلنوا قبل الانتخابات النيابية الأخيرة أن عنوان عملهم في المرحلة التي ستلي الانتخابات ستكون مكافحة الفساد، إلا أنهم – إلى الآن – سقطوا عند أول امتحان لمكافحة الفساد، لأن منطق المصلحة الضيقة، والفئوية، والطائفية ، يتقدّم على أي شيء آخر في هذا البلد المنكوب بطبقة تتّهم بعضها بالفساد والهدر واللامبالاة، وما سوى ذلك من أمور.

ما دعا إلى هذا الكلام هو ما جرى ويجري كل يوم في الإدارات والمرافق العامة، وما هدّد ويهدّد مصالح وحقوق المواطنين دون أن يلتفت أحد إلى ما جرى ويجري، بل على العكس من ذلك نجد كل حزب وفريق بما لديهم فرحون.

في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت، وقبل مدة ليست بعيدة، حصلت فضيحة كبيرة عندما شاهدنا طوابير المسافرين تنتظر لساعات طويلة، مع ما عناه ذلك في حينه من خسائر وأضرار، بسبب ما قيل إنه عطل في جهاز فرز الحقائب، ولكن المسألة مرّت دون مساءلة ولا محاسبة و" لا من يحزنون"، "الضرب طلع برأس المواطن المسافر" و "يا دار ما دخلك شر". أمّا المسؤولون عن هذه الفضيحة الكارثة فلم ينلهم أي سوء أو حساب !

وقبل أيام قليلة أيضاً حصل في المطار ذاته فضيحة من نوع آخر، إذ تأخّرت طائرة في نقل المسافرين إلى مصر لمدة تسع ساعات ، مع ما عناه ذلك من خسائر وأضرار لحقت بهم، والسبب – كما قيل- هو في اللغط الذي حصل جراء سفر رئيس الجمهورية في الوقت المحدد لإقلاع الطائرة إلى مصر، إذ تحدثت أنباء عن استخدام الطائرة من قبل وفد الرئيس، بينما قالت أنباء أخرى إن الحرس الجمهوري في القصر حجز طائرة إضافية للتمويه على عملية السفر وفقاً لما هو معتاد في سفرات الرئيس، وبذلك ضاعت المسؤولية عن تأخر سفر المسافرين إلى مصر بين شركة طيران الشرق الأوسط وبين القصر الرئاسي، فيما "الضرب طلع مرة أخرى براس المواطنين". وإلى الآن ليس هناك من تحمّل المسؤولية، وليس هناك من سأل أو حاسب أو أجاب.

وقبل يومين دار سجال كبير على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى خلال مؤتمرات صحفية بين وزراء ونواب تضمّن اتهامات بالمسؤولية عن أمور تحمل أضراراً بالغة للمواطنين ومخاطر على صحتهم. فالنائب زياد أسود اتهم وزير الزراعة بمحاولة إدخال باخرة تحمل بقراً مصاباً بمرض الجمرة الخبيثة إلى لبنان، فيما نفى الوزير أن تكون الباخرة دخلت إلى المياه اللبنانية أو أن تكون متجهة إلى لبنان، فما كان من النائب أسود إلا أن عرض فيلماً قصيراً أظهر أحد الغوّاصين يعاين بقرة نافقة في عرض البحر، وقال إنهم يتخلصون من البقر المحمول على متن الباخرة والمصاب بمرض الجمرة الخبيثة من خلال رميهم في المياه، ليرد الوزير طبعاً على هذه الاتهامات ، ليردّ فريق الوزير بعرض فيلم موثق أثبت أن اشكالية الباخرة وقعت منذ اكثر من عام ، بعيداﹰ عن لبنان على السواحل التركية . والغائب الأول والأساسي في كل ذلك هو القضاء الذي يفترض أن يتحرك ليحمي المواطن، وليتأكد إذا كان كلام النائب هو الصحيح أم كلام الوزير.

هذا غيض من فيض الفساد المستشري في البلد، الذي يتمدد آكلاً بطريقه كل شيء، وللأسف لأن منطق المحاصصة والمصالح الفئوية الضيقة هو الطاغي، وقديماً قيل : من أمن العقاب أساء الأدب، فكيف بمن يعرف أن هناك مظلة سياسية تحميه وتحمي فساده من أية ملاحقة أو تعقّب أو محاسبة ، فكيف لا يتمدّد بفساده ليفسد كل شيء ما زال جميلاً في هذا البلد؟! فيما المواطن هو الضحيّة على الدوام.

وائل نجم