العدد 1626 /21-8-2024
د. وائل نجم

على مدى أكثر من أسبوع يعيش لبنان في ظلام دامس لولا مولدات الاشتراك الخاصة لتي تحوّلت إلى مافيا تبتز اللبنانيين بأسعار الكهرباء التي تزوّد المواطنين بها، وتبتزّهم أيضاً بالأوقات التي تزودهم بها حيث لا قواعد ولا ضوابط في أغلب الأحيان، "وهلّي مش عاجبو يشيل شريطه". ولولا نظام الطاقة الشمسية التي لجأ إليها الكثير من المواطنين مع أنّ كلّفتها ليست قليلة، فضلاً عن المشكلات التي أوجدتها خاصة في المدن حيث تنافس سكان البنايات على أسطح هذه البنايات لتركيب ألواح الطاقة الشمسية، والمساحات في أغلب الأحيان تكون صغيرة، وحاجة الناس تكون في أغلب الأحيان كبيرة ومحكومة بالطمع وحب الاستئثار، وهي دوّامة كبيرة من المشكلات التي لا تنتهي فصولاً هذا فضلاً عن أنّ نظام الطاقة الشمسية لا يلبّي كلّ حاجة المواطن من الكهرباء، وهو بالكاد يؤمّن الحاجة الضرورة للإنارة وبعض الحاجيات الأخرى في أحسن الأحوال، ناهيك عن أنّ الكثير من الناس لا تملك الإمكانيات المالية الكافية لتركيب هذا النظام.

وبالعودة إلى انقطاع الكهرباء الكامل عن كلّ لبنان وعلى مدار الساعة، فإنّ أحداً في الجهات الرسمية المسؤولة لم يقدّم حتى الآن إجابة واضحة ومقنعة عن سبب هذا الانقطاع. تارة السبب هو تاخّر شحنة المحروقات العراقية من دون ذكر سبب التأخير إن كان تخلّفاً بالدفع للجهات العراقية للمستحقات المالية ثمن هذه المحروقات أم غير ذلك. وتارة حديث عن توقف بعض معامل الانتاج، وتارة حول أمور أخرى، وفي النهاية لا كهرباء في كلّ لبنان، حتى في مرافقه الأساسية كالمطار والمرفأ والمؤسسات الحيوية الأخرى.

من الواضح أنّ كل جهة من الجهات المعنية حكومية أو غير حكومية تتهرّب من المسؤولية، وكل طرف يلقي باللائمة على الجهة الأخرى. لا يريد أيّ منها أن يتحمّل المسؤولية عن هذه الكارثة بما تعنيه الكلمة من معنى، لأنّ الكهرباء اليوم هي حاجة ضرورية للناس كحاجتهم للمياه التي لا تقلّ المعاناة معها عن المعاناة مع الكهرباء، وكحاجتهم للدولة ذاتها!

رئاسة الحكومة طلبت من التفتيش المركزي فتح تحقيق بالموضوع، ولو سلّمنا جدلاً أنّ التحقيق سيأخذ مجراه الطبيعي المعروف، هل سنصل إلى معرفة المسؤول؟! وهل سيحاسب هذا المسؤول عن هذه المشكلة الدوّامة التي ما زلنا نعاني منها منذ عقود مع أنّه قد صرف عليها مئات ملايين الدولارات دون جدوى؟!

المشكلة الحقيقية أنّ أزمة انقطاع الكهرباء بهذا الشكل الفاضح وفي عزّ موسم الصيف وحرارته المرتفعة، هذا علماً أنّ الكهرباء الخاصة بالدولة لا تغذّي المدن والبلدات في أحسن الأحوال أكثر من أربع ساعات في الأربع والعشرين ساعة، كشفت حجم الترهّل في هذه الدولة، وحجم اللامبالاة لدى المسؤولين، وأقول حتى لدى الشعب الذي سمح بهذه السرقة الموصوفة عندما قبل أن يجري رفع تسعيرة الكهرباء ورفع قيمة الاشتراك إلى أسعار جنونية قياساً بحجم الدخل والرواتب، ولم يحرّك ساكناً بل اكتفى بالانصياع إلى ما قرّره المسؤولون في هذا السياق، واكتفى بالشكوى والتذمّر على منصات التواصل الاجتماعي، وها هو اليوم يدفع الثمن والضريبة، يدفعها عندما يدفع الرسوم المرتفعة على الاشتراك مع كهرباء الدولة، والكهرباء في حالة انقطاع دائم أو شبه دائم في أغلب الأحيان؛ ويدفعها عندما تتحكّم به مافيات المولدات الخاصة وتفرض عليه ما تريد من قيمة مالية مقابل تزويده بالكهرباء.

إنّ هذه المشكلة اليوم تعكس حجم التفكّك الذي وصلنا إليه على مستوى الدولة، إذ أنّ هذه المادة الحيوية بالنسبة للمواطنين وبالنسبة لمؤسسات الدولة أيضاً، لا تعرف الدولة لها حلّاً، ولا تعرف الدولة أسباب المشكلة، وإذا ما عرفت فهي عاجزة عن المحاسبة، وإذا ما حاسبت فهي عاجزة عن وضع الحلول والخروج من تحت سيطرة المافيات. ببساطة الدولة اليوم، أو ما تبقّى منها يدار عبر المافيات أو عبر نظام المافيات، وهو يعكس حجم فقدان أمل الناس بالدولة وهو أخطر ما في المسألة، لأنّ ذلك سيدفعهم للتخلّي عنها يوماً بعد يوم تماماً كما هو الحال في أزمة الكهرباء حيث تخلّى الناس عن كهرباء الدولة لصالح كهرباء المافيات أو الطاقة الشمسية البديلة، والخطر أن يتخلّى الناس غداً عن الدولة لصالح حكم المافيات مرغمين، أو لصالح صيغة تفرّق الناس عن بعضها وهو ما سينقل الخصام إلى كل بيت.

د. وائل نجم