وائل نجم

يوم الأربعاء الماضي احتشد عدد من العلماء والدعاة في «بهو» دار الفتوى للتضامن مع المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، ومع الدار، في موقفهم التاريخي الذي يطالب باعتماد يوم الجمعة يوم عطلة رسمية في لبنان.
وكان مقرراً أن ينعقد اعتصام بدعوة من هيئة علماء المسلمين في لبنان في اليوم ذاته أمام المجلس النيابي، بالتزامن مع الجلسة التشريعية التي عقدها المجلس، وذلك للمطالبة باعتماد يوم الجمعة يوم عطلة رسمية، والعودة عن البند الذي ورد في إصلاحات سلسلة الرتب والرواتب الذي تضمّن اعتماد العمل يوم الجمعة حتى الساعة الثالثة والنصف عصراً، ومنح المسلمين ساعتين عند منتصف النهار، إفساحاً في المجال أمامهم لأداء فريضة صلاة الجمعة، كما اعتمدت الاصلاحات العطلة يوم السبت، بعد أن زادت دوام الموظفين في الادارات الرسمية حتى الثالثة والنصف يومياً.
والحقيقة أنه منذ زمن طويل من تاريخ هذا البلد تم اعتماد قانون يقرّ العمل يوم الجمعة حتى الساعة الحادية عشرة، ويعتمد العمل يوم السبت كالمعتاد، ويوم الأحد هو يوم العطلة الاسبوعية الرسمية، ولم يكن هناك من يعترض على هذا الموضوع، بل أقول إن المسلمين في البلد ارتضوا هذه الصيغة طالما أنها أتاحت لهم وقتاً مقبولاً لأداء صلاة الجمعة، وتجاوزاً اعتماد العطلة الاسبوعية يوم الأحد باعتبار خصوصية الشركاء في الوطن، وكانت الأمور تسير على وتيرة مقبولة من الجميع من دون إشكالات، حتى برز موضوع اعتماد يوم السبت يوم عطلة وزيادة الدوام يوم الجمعة حتى الثالثة والنصف، وهو ما اعتبره المسلمون انتقاصاً من حقوقهم وحضورهم ودورهم. ولذلك تحرّكوا في سبيل مساواتهم بغيرهم من الشركاء في الوطن، دون الانتقاص من حقوق هؤلاء الشركاء.
هذا في شكل الاعتراض على مسألة العمل يوم الجمعة، وهو بالطبع اعتراض محق، خاصة أن الموقف التاريخي لدار الفتوى هو المطالبة باعتماد يوم الجمعة يوم عطلة، وإن كان الشرع الحنيف لا يحرّم العمل في هذا اليوم، سوى في وقت أداء الصلاة كما يرى معظم إن لم نقل كل الفقهاء.
أما في عمق المسألة فإن تحرك العلماء والمرجعية الدينية هذه المرّة يأتي من خلفية الشعور بأن حقوق المسلمين في البلد  باتت مهددة، وتمّ قضم وهضم جزء منها، بطرق مباشرة وغير مباشرة، وهو ما يهدد استمرار البلد واستقراره على المدى الطويل.
في عمق المسألة هناك اعتراض لدى العلماء والمرجعية الدينية على تغييب الدولة عن قرارها السيادي وعن دورها الأساسي في تسيير شؤون المواطنين من خلال انتظام عمل المؤسسات الدستورية.
هناك اعتراض على مصادرة قرار الحرب والسلم من قبل أطراف خارج المؤسسات، وعدم حصرية السلاح بيد القوى الشرعية التي تكفل الأمن للجميع على قدم المساواة.
هناك اعتراض على اختلال موازين القضاء فيتم التعامل مع بعض المواطنين على أنهم متهمون حتى تثبت براءتهم، ومواطنين آخرين أبرياء لا تهمة يمكن أن تطالهم حتى لو قتلوا وسرقوا وقطعوا الطرق ونشروا الرعب والذعر وهددوا أمن البلاد والعباد، وتجاوزوا كل الأعراف والقوانين، إلى آخر ما يمكن الحديث عنه في هذا الجانب.
هناك اعتراض على اعتقال عشرات بل مئات الشباب المسلم لمجرد شبهة تافهة، والإبقاء عليهم رهن التوقيف الاداري أو الاحتياطي كما يفعل العدوّ الاسرائيلي مع الشبان الفلسطينيين، في حين لا يتم محاسبة او مساءلة حتى أولئك الذين يعتدون على دوريات الأمن الداخلي أو الجيش كما حصل مؤخراً مع دورية للمخابرات في إحدى القرى الجبلية.
هناك اعتراض عند العلماء والمرجعية الدينية على استغلال السلاح في الداخل من خلال الهيمنة والتهديد باستخدامه كل وقت وحين، وفرض هيمنة على مؤسسات الدولة، وتجاوز حقوق المكوّنات الأخرى كلما سمحت الفرصة بذلك.
هناك اعتراض على مصادرة صلاحيات مؤسسات رسمية أمنية وسياسية وقضائية، وتعدّ على صلاحيات رئاسة الحكومة تارة، والوزارات والإدارات تارة أخرى.
هناك قائمة كبيرة من الاعتراضات على الكثير من المسائل التي يعلمها الجميع، والتي لم تعد تحتمل، وكان آخرها مسألة اعتماد يوم الجمعة يوم عمل عادي، دون مراعاة لمشاعر المسلمين في هذا البلد.
يا سادة، هذه القضية الأخيرة هي «القشّة التي قصمت ظهر البعير» كما يقول المثل العربي. هي رأس جبل الجليد الذي يخفي كمّاً هائلاً من الاعتراض على دولة تتبخّر وتتلاشى يوماً بعد يوم، وكأنها «حفنة رمل تتسرّب من بين أصابعنا».
صرخة العلماء والمرجعية الدينية اليوم ليست مطالبة بعطلة يوم فقط، بل هي صرخة في وجه هذا التمادي الذي يطيح هذه الحقوق يومياً، وصرخة أخرى بوجه المسؤولين الذي يتولون المنصب نيابة عنّا في مواقع المسؤولية، حتى يقوموا بدورهم كما ينبغي للحفاظ على حقوق المسلمين في هذا البلد، ضمن التوازن الذي يحفظ حقوق الجميع، قبل أن يتحوّل المسلمون إلى مجرد رعايا لا حقوق لهم، بعد أن ظلّوا لسنوات وعقود ضمانة البلد واستقلاله واستقراره واستمراره.}