العدد 1587 /8-11-2023
د. وائل نجم

دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع ومدينة غزّة شهره الثاني وسط استمرار المجازر بحق المدنيين من الإطفال والنساء، ووسط المزيد من استهداف المشافي والمدارس ودور العبادة والمخابز والمساكن تحت عنوان قصف الأماكن التي يتواجد فيها أو يلجأ إليها مقاتلو المقاومة الفلسطينية، والحقيقة أنّ التصعيد والمجازر غالباً ما يعكس عجزاً وفشلاً في الميدان، وقد ارتفع عدد الشهداء حتى الآن إلى قرابة عشرة آلاف شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء، والجرحى إلى أكثر من عشرين ألف جريح، والمفقودين تحت الأنقاض غير معروف حتى الآن، بينما يصمت العالم الذي كان يتشدّق بحقوق الإنسان والديمقراطية تاركاً الاحتلال يعبث بكل ما هو موجود في غزة من بشر وحجر وشجر من دون حسيب أو رقيب.

والحقيقة أنّ غزّة وأهالي غزّة يتعرّضون لعدوان سداسي تشترك فيه بشكل مباشر الدول التالية: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا إضافة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي. لقد حشدت هذه الدول جنودها وسفنها الحربية وحاملات طائراتها وغواصاتها في شرق البحر الأبيض المتوسط قبالة قطاع غزة، ولا نعرف على وجه الدقّة والتحديد ماذا تفعل هذه القطع الحربية الكبيرة في شرق المتوسط، ولا حجم المشاركة الميدانية في العدوان والحرب. لقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال لا الحصر، أنّ أحد أبرز ضباطها وقادتها الميدانيين أصيب بجراح ونقل إلى الولايات المتحدة ولكنّها لم تعترف ولم تقل أين أصيب هذا الجنرال، فهل أصيب في غزة؟ ربما قد يكون ذلك، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على المشاركة الفعلية الميدانية. كما اتهم ضباط في سلاح الجو الإسرائيلي زملاء لهم في سلاح الجو الإمريكي أنّهم هم الذين قصفوا بعض المرافق المدنية في قطاع غزة، وهذا الاتهام أيضاً قد يكون صحيحاً ويعني أنّ الأمريكيين يشاركون في العدوان بشكل مباشر ميدانياً إضافة إلى تأمين الأجواء لهذا العدوان على المستوى الدولي. كما وأنّ الأنباء والشهادات تحدّثت عن مشاركة متطوعين من إيطالياً وأسبانياً إلى جانب قوات الاحتلال وهذا ايضاً يكشف حجم المشاركة الميدانية من هذه الدول وغيرها بالعدوان على غزة.

إلاّ أنّه على الرغم من كلّ هذا العدوان، وعلى الرغم من المجازر المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين غير أنّه على المستوى الميداني العسكري لم يحقّق هذا العدوان السداسي أي إنجاز ميداني ولو بحدّه الأدنى وبالتالي فقد فشل حتى الآن وأصيب بالخيبة والخسران، بينما تمكّنت المقاومة الفلسطينية من الصمود والاستمرار في مواجهة العدوان حتى بات المشاركون في العدوان السداسي يبحثون عن إنجاز متواضع يشكّل بالنسبة لهم سلّماً للنزول عن الشجرة التي صعدوها عندما وضعوا هدفاً لهم هو القضاء على القضية الفلسطينية وتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، ثم بدأوا بعد ذلك يتراجعون في أهدافهم وصولاً إلى سلّم ينزلهم عن الشجرة.

لقد كشف هذا العدوان السداسي وجه الغرب القبيح الذي يتحدّث دائماً عن حقوق الإنسان والحريّة والديمقراطية ثم إذا كان ذلك في غير مصالحهم أطاحوا به عرض الحائط، ولجأوا إلى ارتكاب أبشع المجازر والإبادة الإنسانية، أو غضّوا نظرهم وأشاحوا بوجوههم عن تلك الإبادة كما لو أنّها غير موجودة أو لم تحصل.

فشل العدوان السداسي على غزة على الرغم من كلّ التدمير والتهجير والإبادة الجماعية الإنسانية، وتحوّلت هذه المجازر إلى لعنة تطارد وستظلّ تطارد الغزاة والمتوحشين الذين ارتكبوها، كما سيُسقِط هذا العدوان في وقت لاحق أولئك الذين وقفوا على التلّة ينتظرون النتيجة حتى يحتفلوا بالنصر مع المنتصرين في وقت كانوا يتمنّون أن ينهضوا يوماً ويجدوا أنّ العدوان السداسي اجتثّ غزة من جذورها ولكنّهم سيتفاجأون أنّ طوفان الأقصى الذي بدأ من غزة سيصل إليهم ولو بعد حين.

لن يستمرّ هذا العدوان السداسي ولن ينتصر حتى لو ارتوى من دماء الفلسطينيين فالنصر في هذه المعركة كُتب منذ اليوم الأول ولن يمحوه شيئٌ بعد ذلك.

د. وائل نجم