العدد 1333 / 17-10-2018
وائل نجم

يبدو أن الأجواء التفاؤلية التي بثّها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، سعد الحريري، هذه المرّة ستتمخّض عن حكومة جديدة بعد مشاورات واتصالات ولقاءات ،وتدوير زوايا وترطيب خواطر لمدة فاقت الأربعة أشهر. لقد قال رئيس الحكومة المكلف قبل حوالي أسبوعين إنه سيشكل الحكومة خلال عشرة أيام، ثم عاد وأكد مرّة أجرى على هذه المسألة وعلى الأجواء الإيجابية، ولكنه أشار إلى أنه قد يحتاج إلى وقت إضافي بسيط . ثم قبل يومين أشار إلى أن تشكيل الحكومة صار قريباً، وقرن ذلك بعدة لقاءات مع الجهات السياسية المعنية، وتركيز على العقد بهدف حلحلتها. ثم ترافقت هذه الأجواء التي أشاعها الرئيس المكلف مع تصريحات ومواقف من الأطراف السياسية التي اعتبرت مسؤولة عن التأخير، توحي بالحلحلة والتنازل والتواضع في الشروط. كل ذلك جعل العديد من المتابعين يؤكدون أن الحكومة ستبصر النور خلال الأيام المقبلة.

والحقيقة أن العقد التي كان الجميع يتحدث عنها، سواء تلك التي تتصل بالداخل وما يرتبط منه بعدد الوزارات لكل فريق، ونوعية كل وزارة لكل فريق، وما سوى ذلك. أو تلك الأخرى التي تتصل بالخارج، والتي كان يجري الحديث عنها ما يتصل بالسعودية من جهة، وإيران والنظام في سورية من جهة أخرى، يبدو أن كل هذه العقد وجدت طريقها الى الحل لأسباب تتصل بمصالح كل طرف يتصل بهذه القضية.

على المستوى الداخلي، كان الجميع يدرك أن حل العقد المتصلة بالأحجام والأوزان يرتبط بشكل من الأشكال، سواء كان منظوراً أو غير منظور، بالرغبة الخارجية، لأن كل طرف، أو أغلب هذه الأطراف يرتبط بخيط خارجي، ولا بدّ من مراعاته، لللأسف، ولو على حساب المصلحة الوطنية العليا. ولم يكن الأمر يتصل كثيراً بالأوزان والأحجام والمقاعد، على أهميتها، لأنها في الحقيقة في بلد كلبنان، لا تقدّم ولا تؤخّر كثيراً. لأن لبنان ببساطة بلد محكوم بالتفاهمات قبل كل شيء. وعليه فإن العقد الداخلية المتصلة بحجم المقاعد الوزارية التي سيحصل عليها كل طرف، ونوعيتها، وجدت طريقها إلى الحل بسرعة عندما لمست تلك الأطراف أن العقد الخارجية، أو دعني أقول التأثيرات الخارجية باتت أقل من ذي قبل. ليس لأن الخارج لا يريد التأثير في لبنان، بل لأن حجم المصائب التي وقعت وتقع على رأس هذا الخارج جعلته يركّز في أماكن أخرى، وهو ما هيّأ الفرصة للقوى الداخلية ﻠ التواضع والقبول بصيغة حكومية يمكن أن تكون متوازنة بحسب ما وعد الرئيس المكلف.

أما على المستوى الخارجي فقد رأينا وساطة فرنسية واضحة، حيث أوفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مبعوثاً إلى لبنان لمتابعة تنيفذ مقررات مؤتمر سيدر، وكان التشديد خلال كل لقاءاته على ضرورة تشكيل الحكومة، كما أن الرئيس الفرنسي نفسه التقى رئيس الجمهورية في ياريفان على هامش القمة الفرنكوفونية، وأصر على حضور رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، اللقاء، ولا ندري على وجه الدقة ما دار في اللقاء، وإن كان الرئيس عون أشار إلى أن مسألة الحكومة داخلية وتبحث في لبنان، ولكن من الواضح أن الرئيس الفرنسي تطرق إلى مسألة الحكومة، وطلب من الرئيس عون، ومن الوزير باسيل، تليين المواقف من أجل تشكيل الحكومة. وإضافة إلى هذا المعطى، فمن الواضح على الصعيد الخارجي، أن السعودية باعتبارها أحد المؤثرين في المشهد اللبناني، تعيش اليوم أزمة اختفاء او مقتل الصحافي جمال خاشثجي، وهي غير مهتمة كثيراً الملفات الأخرى، لما لهذا الملف من تأثير مصيري على المملكة، وعلى الفريق الحاكم فيها، وهي بالتالي تحتاج إلى مساعدة كل الأطراف الدوليين للخروج من تهمة قتل الخاشقجي في القنصلية، وهذا بالتالي سمح للقوى التي تعتبر نفسها امتداداً للمملكة بالتحرر، ولو جزئياً في اتخاذ موقف من الحكومة، وبالتالي التسهيل والقبول بصيغة حكومية تعتبر متوازنة.

وفي المقلب الآخر فإن إيران كمؤثر آخر في المشهد اللبناني، تريد أن تسهم بحل عقدة الحكومة في لبنان لأنها تعيش أزمات من نوع آخر، فهي مقبلة على عقوبات أمريكية غير مسبوقة اعتباراً من الرابع من تشرين الثاني المقبل، ويهمّها أن تكون الساحات التي يمكن أن تشكل متكأً لها ساحات هادئة ومرتاحة حتى تتمكن إيران من استثمارها في الإلتفاف على العقوبات المنتظرة، ولذلك هي معنية بتشكيل حكومة في هذه المرحلة، ومن هنا جاء لقاء أمين عام حزب الله، السيّد حسن نصرالله، برئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، والطلب منه التنازل من أجل تشكيل الحكومة لسد الفراغ في هذه المرحلة.

الأجواء الخارجية إذاً سمحت بحلحلة العقد الداخلية، ولذلك قد نكون على موعد مع الحكومة المرتقبة بعد أن صفت النوايا، وتواضعت أحلام المتطلعين إلى المستقبل في الاستئثار بحكم لبنان.

وائل نجم