العدد 1377 / 11-9-2019
الدكتور وائل نجم

تطوّرات بارزة شهدها الأسبوعان الأخيران على مستوى الساحة الداخلية اللبنانية وما ترتبط به من ملفات على مستوى المنطقة.

فالغارة الإسرائيلية بالطائرات المسيّرة على الضاحية الجنوبية لبيروت كان تطوّراً لافتاً وبارزاً في قواعد الاشتباك المعمول بها بين لبنان وحزب الله من جهة وكيان الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، وقد حاول الإسرائيلي تغيير هذه القواعد، وهو ما جعل حزب الله يعمل خارج إطار هذه القواعد من أجل العودة إليها، فكان ردّه هذه المرّة خارج إطار المألوف والمعهود، فقصف بصاروخ موجّه آلية إسرائيلية على أبواب إحدى المستوطنات شمال فلسطين المحتلة وفي ضوء النهار. ثم قام بعد بضعة أيام بالإعلان عن إسقاط طائرة استطلاع مسيّرة فوق الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة. ثم جاء تأكيد الحزب على لسان أمينه العام خلال أيام عاشوراء، لا سيّما في خطاب اليوم العاشر، أن الخطوط الحمراء كلها سقطت أمام المقاومة، وبالتالي فإن أي خرق أو اعتداء إسرائيلي على لبنان وسيادته سيتم الرد عليه بالشكل المناسب دونما احتساب لأية خطوط حمراء.

كما وأن الحرس الثوري الإيراني، وللمرّة الأولى يرد على قصف قواعده في سورية من قبل الطائرات الإسرائيلية، بقصف صاروخي من الأراضي السورية طاول مواقع الاحتلال في الجولان السوري المحتل، وهو تطوّر ملفت وجديد يجعل الأراضي السورية أيضاً تدخل هذه المرّة بشكل مباشر على خط المواجهة مع قوات الاحتلال الاسرائيلي.

تزامنت هذه التطوّرات الميدانية مع زيارة قام بها مبعوث أمريكي جديد، ديفيد شنكر، إلى لبنان والمنطقة للقاء المسؤولين اللبنانيين، والبحث معهم في ملفات تعني الجانبين اللبناني والإسرائيلي، ومنها ترسيم الحدود بين لبنان وكيان الاحتلال برّياً وبحرياً، وكذلك مسألة نفوذ وقوة حزب الله العسكرية، وقد قيل إن مبعوثاً أمريكياً سابقاً سلّم الجانب اللبناني الرسمي طلباً تضمّن خريطة لمصانع صواريخ مزعومة يملكها حزب الله في لبنان، وطلب من الحكومة اللبنانية العمل على إقفال هذه المصانع، وإلاّ فإن كيان الاحتلال الإسرائيلي سيعمد إلى ضربها. وبالطبع تزامنت هذه الزيارة للمبعوث الأمريكي مع عقوبات أمريكية جديدة طالت هيئات وشخصيات تضعها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب.

السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه التطوّرات، هل تحوّل لبنان إلى ساحة رسائل أو مواجهة محدودة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران؟

الواضح أن هناك مواجهة محدودة إلى الآن بين إيران من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية ثانية في المنطقة، ولكل من الطرفين حلفاء وأصدقاء. الولايات المتحدة تستخدم في هذه المواجهة المحدودة سلاح العقوبات الاقتصادية الحصار الاقتصادي بهدف إحداث تعديل في الاتفاق النووي مع إيران لصالح الولايات المتحدة الأمركية، وبالطبع إيران ترفض ذلك. كما تجهد الولايات المتحدة للحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة بما لا يسمح بتهديد أمن وسيادة كيان الاحتلال الاسرائيلي، أو منابع النفط. في مقابل ذلك تستخدم إيران سلاح الرسائل النارية التي تؤكد استعداد إيران للمواجهة المفتوحة والحرب الشاملة التي يمكن أن تخلط الأوراق كافة في المنطقة، فضلاً عن الفوضى العارمة التي ستنشأ عن أي حرب، وهذا بالطبع ليس فيه أية مصلحة أمريكية.

ومن هنا تستعين إيران في هذه المرحلة من المواجهة المحدودة بحلفائها، فيلجأ الحوثيون إلى استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الكبيرة في قصف مناطق في السعودية بهدف الضغط عليها لتوقف ضغطها بالمقابل على الولايات المتحدة. كما تستعين إيران بالحشد الشعبي في العراق من أجل إزعاج الوجود الأمريكي في هذا البلد. وكذلك مارست نوعاً من الرسائل المبرّرة واللطيفة في مياه الخليج، وفي مضيق هرمز تحديداً. إلا أن كل هذه الرسائل النارية الإيرانية تجاه أميركا لم تفلح في الضغط الكافي على إدارة ترمب، لذا لجأت إيران في الأسابيع الأخيرة إلى الاستعانة بحليف قوي هو حزب الله لتوجيه الرسائل، وهذه المرّة باتجاه كيان الاحتلال الاسرائيلي، وهو الخاصرة الرخوة التي تؤلم الإحتلال والأمريكي على حدّ سواء، وهنا يمكن القول إن لبنان بدأ يتحوّل فعلاً إلى ساحة للمواجهة المحدودة مرحلياً بين إيران والولايات المتحدة بانتظار ما يمكن أن ترسو عليه الأمور من مواجهة مفتوحة وشرسة أو اتفاق يقسّم المغانم على المتواجهين.

د. وائل نجم