أواب إبراهيم

عند سؤال أي محلل سياسي أو متابع عن مستوى العلاقة التي تربط حزب الله بالنظام الإيراني، يجيبك دون تردد أن العلاقة في أفضل حالاتها وبينهما تحالف استراتيجي. وحين تسأل عن مستوى العلاقة التي تربط القوات اللبنانية بالنظام السوري يجيبك دون تردد أيضاً أنه لاتوجد علاقة، وأن حالاً من الخصومة قائمة بين الجانبين. لكن حين تسأل أي محلل أو متابع عن توصيفه للعلاقة التي تربط تيار المستقبل بالمملكة العربية السعودية، يتلعثم ويفكر ويتأمل ويبدأ بصفّ كلمات غير مفهومة، ويحتار في الإجابة.
فإذا كان توصيف العلاقة سيتم استناداً إلى تصريحات ومواقف الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، فإن ذلك يعني أن العلاقة مع المملكة العربية السعودية «عال العال» ولا تشوبها شائبة، وأن كل ما يقال خلاف ذلك هو تصيّد بالماء العكر. وتصديقاً لذلك، أكدت كتلة المستقبل في اجتماعها الأخير على العلاقة المميّزة مع المملكة، واتهمت من يشكك في هذه العلاقة بأنه يقوم بحملة تشويه وتحريض بمشاركة جهات إعلامية محلية وعربية، تعمل على بث تقارير ومعلومات مفبركة لا وظيفة لها سوى الإساءة للمملكة. وجدّدت الكتلة التأكيد على أن «تيار المستقبل أمين بكل هيئاته وتشكيلاته السياسية على العلاقة التي أسسها مع المملكة العربية السعودية وأرسى دعائمها الرئيس الشهيد رفيق الحريري».
حِرْص تيار المستقبل على أفضل العلاقات مع المملكة دفعه لمطالبة النائب وليد جنبلاط إلى الاعتذار من المملكة بعدما ارتكب «جريمة» انتقادها في مقابلة تلفزيونية، حين عبّر عن معارضته تخصيص السلطات السعودية لشركة «أرامكو» النفطية، ووصَفَ الحرب على اليمن بالعبثية، وانتقدَ الأزمة مع قطر. هذه المواقف دفعت تيار المستقبل للأسف من مواقف جنبلاط وطالبه بتصحيح موقفه.
إذاً، الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل يكنّان كل الودّ والتقدير والاحترام للمملكة العربية السعودية، وهم حريصون على أفضل العلاقات معها. لكن المعطيات والقرائن الملموسة تشي بأن الرياض ليست راضية عن سعد الحريري، وأنها لم «تبلع» ما حصل حين واجه قرارها بالاستقالة، فاستمر في ترؤس الحكومة والتعامل مع حزب الله وكأن شيئاً لم يحصل. 
سنتجاوز عن إحراج الرئيس سعد الحريري بمطالبته بمصارحة اللبنانيين عما حدث معه في الرياض من احتجاز ودفع إلى تلاوة بيان الاستقالة من الرياض. فحتى خصوم الحريري باتوا يتجنبون إحراجه بهذا الأمر رغم التسليم بحصوله. لكن عدم إحراج الحريري شيء، وتجاهل ما حصل وتجاوز دلالاته وخطورته والتصرف كأن شيئاً لم يقع شيء آخر. وإذا كان تيار الرئيس سعد الحريري حريصاً على مواصلة نهج خطب ودّ المملكة والحرص على أطيب العلاقات معها، فمن الواضح أن الأخيرة ليست في هذا الوارد، ولم تعد تتصرف تجاه سعد الحريري على أنه «ابننا» المدلل، بل على العكس صار الوضع أقرب إلى الخصومة، وربما تكون علاقة بعض القوى اللبنانية بالرياض أقوى من علاقة الحريري بها. وباتت زيارة الحريري إلى لرياض تحتاج لتمهيد وتحضير مسبق مع المسؤولين السعوديين. وفي هذا الإطار يمكن فهم حرص قناة العربية (التابعة للمملكة) على بث تقرير في نشراتها الإخبارية حول تظاهرة صغيرة قام بها بضعة أشخاص احتجاجاً على عدم دفع الحريري لرواتبهم المستحقة لقاء عملهم في شركة سعودي أوجيه، وليس مفهوماً كذلك أنه منذ خروج الرئيس الحريري من الرياض لم تصدر عن المملكة أي إشارة إيجابية تجاهه، في حين أن إشارات إيجابية أخرى صدرت تجاه شخصيات وقوى لبنانية أخرى. 
الأكيد، هو أن ما قبل استقالة الرياض والتراجع عنها لن يكون كما بعدها. وإذا كان الحريري تجاوز ويريد استعادة وضعه السابق لدى الرياض، فإن الرياض ليست في هذا الوارد. فهامش الثقة الواسع الذي كانت الرياض تمنحه للحريري بات من الماضي، ولم تعد للحريري أي ميزة يتفوّق بها عن بقية الشخصيات السياسية اللبنانية.
خروج سعد الحريري من الرياض كان خروجاً من العباءة السعودية، التي بذل الشهيد رفيق الحريري جهوداً مضنية حتى نجح بالدخول إليها والتنعّم بدفئها.