العدد 1344 / 9-1-2019
أواب إبراهيم

شكلت العاصفة "نورما" التي ضربت لبنان خلال الأيام الماضية، والأضرار الكثيرة التي خلّفتها، مناسبة جديدة للسخرية والتندر والغضب وتحميل الدولة اللبنانية مسؤولية ما حصل، والشكوى المتكررة من الفساد واهتراء البنية التحتية.

ربما كان البعض يظن أن عاصفة ثلجية قدمت من سيبيريا، ستقتصر آثارها على انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلج الجميل على المرتفعات، فيحلو شواء الكستنا عند المساء، ومناسبة للتزلج في نهاية الأسبوع، لكن العواصف ليست كلها إيجابية، فإلى جانب الخير الذي تحمله، هناك الكثير من الأضرار. علماً أن ما شهده لبنان خلال الأيام الماضية يشهده العالم كل يوم، ونحمد الله أن الأضرار اقتصرت على الماديات ولم تسقط أرواح جراء العاصفة، وهو ما يحصل في الكثير من دول العالم المتحضر.

ففي كل عام تشهد الولايات المتحدة وأوروبا فيضانات وعواصف ثلجية، فتطوف الأنهار وينقطع التيار الكهربائي عن مدن وولايات ويُحاصر آلاف الناس في منازلهم، ويسقط العديد من الضحايا. وفي كل عام تشهد أستراليا حرائق تقضي على مساحات شاسعة من الأراضي وتقترب من المناطق الآهلة بالسكان، ويتم إجلاء آلاف الأشخاص من قراهم وبلداتهم. حتى في دول الخليج الغنية التي يفترض أنها تمتاز ببنية تحتية متماسكة،إلا أنها تشهد كل عام تقريباً عاصفة تطوف خلالها الطرقات وتسد المجاري الصحية وتغرق بسببها عشرات السيارات. فلا في الولايات المتحدة ولا أوروبا ولا أستراليا ولا بالطبع في دول الخليج نسمع الصراخ والعويل الذي نشهده في لبنان عند كل ظاهرة طبيعية. في كل دول العالم تسد المجاري، وفي كل العالم تطوف الأنهار، وفي كل العالم يُحاصر أشخاص في سياراتهم لأنهم لم يستمعوا لتحذيرات السلطات المختصة، وفي كل العالم تتسرب المياه من الجسور ولا يعني ذلك أبداً أن هذه الجسور باتت آيلة للسقوط كما حصل في جسر الكولا، وفي كل العالم تتشقق الشوارع، ويتفتت الزفت وهو لايكون زفتاً انتخابياً كما هي حاله في لبنان، وفي عدد من دول العالم يموت الكثير من المشردين برداً وصقيعاً في الشوارع وهو مانحمد الله أنه لايحصل في لبنان.

هي ظواهر طبيعية تحصل دائماً،ومن المنطقي أن تسبب أضراراً وتؤدي لأزمات ومعاناة لبعض الناس، وليس بالضرورة أن يكون ذلك نتيجة أخطاء أو إهمال، أو.. فأحد مسؤولي الدفاع المدني أعلن أن جميع المجاري الصحية في منطقة الضبية – مثلاً - التي شهدت طوفاناً للشارع الرئيسي الواصل بين بيروت والشمال سالكة وليس فيها أي مشكلة، لكن كمية الأمطار الهاطلة تفوق بكثير حجم استيعاب هذه المجاري، وبالتالي كان طبيعياً أن تفيض الشوارع بالمياه لبعض الساعات.

كما أن الكثير من الأضرار التي شهدتها المناطق، المتسبب بها المواطنون أنفسهم. فرغم مناشدات الأجهزة المختصة بعدم سلوك الطرقات الجبلية إلا للضرورة القصوى، شهدنا عبر شاشات التلفزة أكداس السيارات التي قال سائقوها انهم أرادوا التنزّه ومشاهدة العاصفة عن قرب، عدا عن عدم التزام الكثير من السائقين بتوجيهات الأجهزة المعنية، فتتعطل سياراتهم ويصبحون هم أنفسهم عقبة في طريق من وراءهم وهماّ للدفاع المدني لإنقاذهم، أو يتشاطر بعضهم ويسلك المسار المعاكس للمرور فيواجه سيارات قادمة وتقع أزمة السير التي لامخرج لها. كما أن انسداد المجاري وممرات الأنهار يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى المواطنون الذين يرمون نفاياتهم في المجاري والأنهار. والأمر نفسه ينطبق على الساحل، فالأجهزة المختصة حذرت من الاقتراب من الشواطئ ، لكن مواطنين - وبينهم الوزير السابق وليد جنبلاط - أصروا على التواجد على الشاطئ وأخذ صور لهيجان البحر، مما تسبب بسقوط بعض الأشخاص.

هذا لايعني أن المسؤولين في الدولة اللبنانية لايتحملون جزءاً من المسؤولية حول المعاناة التي عاشها اللبنانيون خلال الأيام الماضية، لكن المبالغة في تحميلهم المسؤولية ليس محموداً، ومن المناسب التذكير مرة أخرى بأن السلطة التي يشتمها ويتهمها البعض بالسرقة والفساد والإهمال، وصلت إلى كراسيها نتيجة انتخابات نيابية نزيهة جرت قبل أشهر فقط.

أوّاب إبراهيم