العدد 1421 / 15-7-2020
أواب إبراهيم

ليس صحيحاً أن الأمن في لبنان "سايب"، وأنها "حارة كل مين إيدو الو". الأمن في لبنان ممسوك إلى حد كبير، وأفضل من كثير من الدول الأخرى. لكن أزمة لبنان لا تتعلق بالانفلات الأمني ولا بالأزمة الاقتصادية والنقدية، بل بما هو أهم وأعمق وأخطر، الأزمة الحقيقية في لبنان مرتبطة باللبنانيين أنفسهم.

قبل أيام أعلنت الأجهزة الأمنية توقيف الذين اعتدوا بالضرب على أحد المحامين بالضرب بعد خروجه من مقابلة إذاعية. الأجهزة الأمنية قامت بواجبها بتوقيف الجناة والتحقيق معهم. وقد تبين أن المعتدين يعملون مرافقين لأحد الوزراء "التكنوقراط"، واستعملوا إحدى سيارات الوزارة لتنفيذ اعتدائهم. حين حصل الاعتداء ضجّ اللبنانيون بالخبر وغضبوا واعترضوا وتظاهروا واعتصموا مطالبين بالقبض على الفاعلين وعلى من حرضهم وإنزال أشد العقوبات بهم. لكن حين تم الإعلان عن هوية المعتدين وانتماءاتهم وخلفياتهم لم يهتم أحد بالأمر، والوزير الذي يتبع له المعتدون يحضر مجلس الوزراء بشكل عادي مزهوّاً بتكنوقراطيته. ولم يخطر على بال رئيس الجمهورية (الذي لايفوّت جلسة لمجلس الوزراء) ولا ببال رئيس الوزراء مراجعة الوزير حول ما حصل.

قبلها بأسابيع جرى اعتداء مشابه على أحد الناشطين والخبراء الاقتصاديين في موقف للسيارات. الأمر نفسه حصل، ضجّ اللبنانيون بخبر الاعتداء وطالبوا بإنزال أشد العقوبات بالجناة. أيام قليلة وتنجح الأجهزة الأمنية مرة أخرى بالقبض على الفاعلين وتعلن أنهم مرافقون لأحد الوزراء السابقين الذي يعمل بدوره مستشاراً لإحدى الزعامات التاريخية والطائفية. الوزير السابق مازال يُرحب به على شاشات التلفزة لينظّر حول الوضع الاقتصادي، والزعامة التاريخية التي يتبع لها مازالت زعامة مقدسة لدى جمهورها، أما قضية الاعتداء على الناشط فلم يعد يتذكرها أحد.

الأجهزة الأمنية لاتقوم بواجبها بإلقاء القبض على المعتدين فقط، بل إنها في أحيان أخرى هي التي تقوم بالاعتداء وأمام عدسات الكاميرا غير آبهة بشيء. ففي مناسبات كثيرة قام عناصر أمنيون ببدلاتهم الرسمية بضرب وسحل وتكسير سيارات ناشطين تظاهروا أمام منزل الزعيم. وزير داخلية التكنوقراط المعني بحماية اللبنانيين سارع للقيام بواجبه، فأصدر بياناً أعلن فيه أن الأجهزة الأمنية التي اعتدت على الناشطين العزّل لايتبعون لوزارته بل لرئاسة مجلس النواب، وبالتالي هو لا"يمون" عليهم. ينتهي الاعتداء الهمجي، يعود المعتدون إلى ثكناتهم، ويستمر رئيس مجلس النواب زعيماً وطنياً تهتف بحياته الجماهير وتفديه بأرواحها.

مشكلة اللبناني ليست في غياب الأمن أو المؤسسات أو السلطة أو الدولة، مشكلته "منه وفيه". مشكلته أنه مواطن اقتنع أنه مدين لزعيمه أو حزبه بحياته ووجوده وعائلته وماله ومصالحه ووظيفته، وأنه مهما قدّم فلن يستطيع الإيفاء بدينه للزعيم أو الحزب، فيحاول تعويض تقصيره بتأييد أعمى، وتصفيق متواصل، وهتاف لايهدأ "بالروح بالدم نفديك يا زعيم"، حتى ولو كان هذا الزعيم فاسداً وبلطجياً وسارقاً. هي فكرة رسخت في عقول كثير من اللبنانيين يرفضون مناقشتها أو الخروج عنها.

في الانتخابات يمنح اللبناني الفقير المنتوف صوته للزعيم الذي يدرك سلفاً أنه فاسد وبلطجي ويسرق الدولة. فيساهم المواطن باستمرار الزعيم والحزب في السلطة ليواصل بلطجيته وفساده وسرقاته. تسفر الانتخابات عن فوز الزعيم، فيكون سعيداً لاستمرار زعامته وفساده وبلطجيته، والمواطن المنتوف يكون سعيداً لسعادة زعيمه، رغم أنه لايجد قوت يومه.

الحل في لبنان ليس في مكافحة الفساد ولا بوقف الهدر ولا بمحاسبة السارقين، مشكلة لبنان بشعبه الذي يتصرف كالرجل الآلي، يعرف هوية الفاسد والسارق والبلطجي والذي تسبّب بأزماته وفقره ووجعه، ثم يمنحه صوته في الانتخابات، ويصفق له ويهتف له بالروح بالدم، ويتقاتل مع بقية اللبنانيين في سبيل أن يبقى زعيمه على كرسيّه يمجّ من نرجيلته في الوقت الذي يكون فيه المواطن يبحث في مكبّ النفايات عمّا يسد به رمق أطفاله.