العدد 1420 / 8-7-2020
أوّاب إبراهيم

ما الذي تفعله السلطة، ما الغاية التي تسعى إليها، أليس من رجل رشيد في صفوفها يخبر أركانها أن ما تقوم به سينقلب عليها وستخسر بتصرفاتها ما تبقى من مؤيدين لها.

منذ أسابيع سرّبت السلطة لوسائل الإعلام القريبة منها وللصحفيين الذين يدورون في فلكها أن الأجهزة الأمنية رصدت دوراً لتركيا (التي تحظى بمحبة وتقدير جزء مقدّر من اللبنانيين) في التحركات الاحتجاجية التي شهدتها بعض المناطق لاسيما في مدينة طرابلس. لم يصدر تأكيد رسمي كما لم يصدر نفي، لكن رئيس الجمهورية لاقى التسريبات في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الأخير, بالإشارة إلى وجود جهات خارجية تحرّض وتدعم وتموّل التحركات الاحتجاجية دون أن يسميها، ليتوّج وزير الداخلية الخبرية بإعلانه إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على مواطن تركي قدم بطائرة خاصة من تركيا متلبساً بحيازة ملايين الدولارات. الوزير لمّح إلى أنها مخصصة لتمويل أعمال الشغب والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، قبل أن يتبين أن صاحب الملايين صيرفي يحتاج المال لتسيير أعماله.

قبل أيام ودون أي تمهيد استدعت المحكمة العسكرية الرئيس السابق لهيئة العلماء المسلمين الشيخ سالم الرافعي بعدما ادعت عليه. الرافعي الذي يعد من الوجوه العلمائية المعروفة في طرابلس ولبنان كان قد ساهم في وقت سابق بتحرير عدد من جنود الجيش اللبناني من أيدي تنظيم داعش في بلدة عرسال، وكاد يُقتل خلال هذا المسعى, بعدما أُطلقت النيران على سيارته من جهات غير معروفة (!!). كما أن الشيخ سالم كان يخطب الجمعة في مسجد التقوى حين جرى تفجيره قبل سنوات مما تسبب باستشهاد عشرات المصلين. هذا السجل الذهبي للشيخ سالم، وفي ظل الأزمة الاقتصادية والنقدية الخانقة التي يعاني منها اللبنانيون، قابلته السلطة بنبش ملف من أدراج المحكمة العسكرية فاستدعت الشيخ للمثول أمامها.

قبل يومين، وبعد قرار نقابة المحامين مقاطعة جلسات المحاكم استنكاراً للاعتداء على أحد المحامين، وقطع طرق في العديد من المناطق، التأم شمل المحكمة العسكرية وعُقدت جلساتها بغياب المحامين الذين التزموا بقرار نقابتهم وغياب المتهمين بعد تعذر وصولهم إلى المحكمة، في هذا الظرف أصدرت المحكمة العسكرية حكماً قضى بتجريم مفتي راشيا السابق الشيخ الدكتور بسام الطراس بتهمة الانتماء لتنظيم داعش، وقضى الحكم بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة وتجريده من حقوقه المدنية. الحكم على الطراس جاء بناء على تهمة وجهت إليه قبل أربع سنوات، صدر حينها قرار بتركه بعد مثوله أمام قاضي التحقيق، لكن المحكمة العسكرية تذكرت ملف الطراس وسحبته, كما ملف الرافعي من أدراجها ومسحت عنه الغبار، ووجدت في غيابه وغياب وكيله فرصة للحكم عليه في اليوم نفسه، وهو أمر غير مسبوق في عمل المحاكم. الطراس ليس فقط مفت سابق ورجل دين، بل هو أستاذ جامعي، يقدم دورات تربوية وإدارية واستشارات أسرية ومؤلف كتب تخرج على يديه آلاف الشباب والشابات في لبنان وخارجه.

عودة لما بدأتُ به، هل تدري هذه السلطة ما الذي تقوم به؟ هل تعلم أن ما تقوم به من استفزاز وإساءة لبعض الرموز والشخصيات والجهات إنما هي تلعب بالنار؟! ماالذي تسعى إليه، هل تريد من محبي تركيا أن يواجهوا الإساءات المتكررة باحتجاجات في الشارع؟ هل تريد من مؤيدي ومناصري وتلاميذ الشيخ سالم الرافعي أن يتحركوا بردات فعل غير محسوبة رداً على إساءة السلطة لشيخهم؟! هل هذه هي الطريقة المناسبة للسلطة للهرب من مآزقها وغرقها في أزماتها، باستفزاز شعبها والإساءة له وإلى الدول التي يحبون؟ هل تفتق عقل السلطة بأن استفزاز الإسلاميين قد يكون وسيلة تُلهي بها اللبنانيين عن فشلها في إيجاد حلول للأزمات التي تضيّق الخناق حول رقاب اللبنانيين؟ هل وجدت السلطة أن أفضل وسيلة لكي ينسى اللبنانيون انتحار مواطنين بسبب يأسهم وفقرهم وعوزهم هو اجترار ملفات قضائية حساسة من أرشيفها؟!.

المثير أن المحكمة التي استدعت الشيخ سالم الرفاعي وحكمت على المفتي بسام الطراس هي نفسها التي أصدرت الحكم بكف التعقبات بحق جزار الخيام المجرم عامر الفاخوري وعبّدت له طريق الخروج من لبنان، بعد ذلك يريدون إقناع اللبنانيين بأن القضاء مستقل ولا يخضع لأهواء السلطة.