العدد 1553 /8-3-2023
اواب ابراهيم

تحضيراً للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في تركيا، اجتمعت طاولة الست المشكلة من ستة أحزاب سياسية في مركز حزب السعادة (الإسلامي!)، وتوافقت على اختيار رئيس حزب الشعب الجمهوري العلماني المعادي للإسلام، مرشحاً لها لمواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية. أحزاب تتناقض في رؤاها وخلفياتها ومشاريعها لكنها تتفق فقط على معاداة رجب طيب أردوغان.

التنافس في العمل السياسي مشروع ومطلوب وهو يعبر عن الديمقراطية وتداول السلطة، لكن حين يكون نصف أعضاء طاولة الست التي تشكلت لإسقاط أردوغان هم شخصيات ورؤساء أحزاب سبق أن كانوا إلى جانب أردوغان وأركاناً في حزبه، حينها تكمن المشكلة، ويكون هناك أزمة أخلاقية.

أول أطراف الطاولة السداسية هو حزب السعادة وريث "المعلم" نجم الدين أربكان". لم يستوعب الحزب بعد أن أردوغان خرج من صفوفهم وأسساً حزباً اكتسح الانتخابات على مدى عقدين، ونجح بتشكيل حكومة بمفرده ووصل إلى رئاسة الجمهورية، رغم أنه يحمل مشروع حزب السعادة نفسه، لكنه قرر العمل بطريقة مختلفة، بعدما باءت كل مساعي معلمه أربكان بالفشل وانقلاب الدولة العلمانية عليه. أعمت الضغينة والحقد قلوب قادة حزب السعادة فوضعوا اللبنات الأولى للطاولة السداسية.

الطرف الإسلامي الثاني على الطاولة السداسية هو رئيس حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان. لم يكن باباجان مهتماً بالسياسة، فكان منغمساً بالقضايا الاقتصادية، لكن حرص أردوغان على الاستفادة من تميّزه في الاقتصاد في إدارة الدولة اختاره عام 2002 ليكون معه في تأسيس حزب العدالة والتنمية، ثم انتُخب عضواً في مجلس النواب في العام نفسه، وعيّنه أردوغان وزيراً للشؤون الاقتصادية، وكان أصغر عضو في مجلس الوزراء. ورغم وجوده في الحكومة إلا أنه حاول دائماً الابتعاد عن الساحة السياسية والتركيز على الإصلاح الاقتصادي. ليكتشف بعد خروجه من عباءة أردوغان ميوله السياسية ويصبح معادياً له.

أما كارثة الكوارث فهو رئيس الحكومة الأسبق أحمد داود أوغلو والذي ائتمنه أردوغان على حزبه فجعله خلفاً له في رئاسة حزب العدالة والتنمية. معروف عن أوغلو أنه مفكر أكاديمي ذو فكر واسع، لكنه لايملك كاريزما تقرّبه من الناس. دخل العمل السياسي مستشاراً لأردوغان في السياسة الخارجية قبل عشرين عاماً (2003)، وعيّنه أردوغان حين كان رئيساً للحكومة (عام 2009) وزيراً للخارجية، ليُنتخب عام 2011 نائباً عن حزب العدالة والتنمية ويصبح بعدها رئيساً للوزراء عام 2014، قبل أن يستقيل عام 2016 وينقلب على أردوغان. الملفت في أحمد داوود أوغلو أنه صاحب استراتيجية "صفر مشاكل" والتي عمل عليها خلاله مسيرته في وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء التركية، لكنه بعد استقالته من رئاسة الوزراء وخروجه من صفوف الحزب الحاكم لم يعد يتذكر شيئاً من رؤيته بتصفير المشاكل، والجهة الوحيدة التي اختار أن يفتعل معها المشاكل هي أردوغان الذي أدخله دائرة الضوء والعمل السياسي العام.

ربما يكون أردوغان متفرداً ولا يقبل الأصوات المعارضة، لكنه يحمل مشروعاً ورؤية إسلامية في المضمون، وفي الشكل لاتعادي الإسلام. فهل تصل معاداة بعض القوى الإسلامية لأردوغان حدّ التحالف مع قوى قومية وعلمانية لا تعادي أردوغان لشخصه بل فقط لأنه يحمل مشروعاً إسلامياً؟!.

إذا كان أردوغان أخطأ مع هؤلاء الأشخاص فأفضل وسيلة للتعامل مع هذا الخطأ تكون بالخروج من دائرة الضوء التي أدخلهم إليها أردوغان، وأن يتفرغوا لعملهم الأكاديمي والاقتصادي، طالما أن أردوغان "الديكتاتور" حسب رأيهم يحمل المشروع نفسه الذي يؤمنون به ويعملون من أجله. لكن أن يشمّروا عن سواعدهم وينغمسوا في العمل السياسي لدعم من يحمل مشروعاً معادياً للمشروع الإسلامي، ومعاداة الشخص والحزب الذي كانوا يوماً ما أحد أركانه، حينها تكون هناك مشكلة أخلاقية وشرعية وربما نفسية.

أوّاب إبراهيم