العدد 1341 / 12-12-2018
أوّاب إبراهيم

منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، لم يخضع اللبنانيون لأيّ اختبار يكشف تعاطفهم ومساندتهم لحزب الله. فمنذ ذلك الحين لم تحصل أي مواجهة عسكرية على الجبهة الجنوبية، لتبدأ قبل أيام عملية "درع الشمال" الإسرائيلية في المنطقة الحدودية لتحديد وتدمير ما يقول الاحتلال إنها أنفاق لحزب الله. هذه العملية طرحت فرضية احتمال شنّ عدوان إسرائيلي على لبنان بذريعة الأنفاق المكتشفة، ليبرز سؤال احتار كثير من اللبنانيين في الإجابة عليه: إذا ما اندلعت مواجهة عسكرية بين حزب الله و"إسرائيل" , أين يقف اللبنانيون؟

التساؤل هذا لايشمل البيئة الاجتماعية والطائفية لحزب الله، فهذه البيئة إلى جانب الحزب قولاً واحداً، ظالماً كان أو مظلوماً, إنما التساؤل هو حول بقية اللبنانيين من الطوائف الأخرى، الذين لا يشاطرون حزب الله مشروعه الإيراني وأفكاره ومساره، ويعارضون احتفاظه بسلاحه وفائض القوة الذي يعيشه.

خلال عدوان تموز 2006، كل اللبنانيين وقفوا إلى جانب حزب الله، فاستقبلت مختلف المدن والبلدات والقرى عشرات آلاف النازحين من المناطق الجنوبية، وساندت معظم القوى الحيّة الحزب في مواجهته للعدوان الإسرائيليّ، أقله معنوياً. رغم أن قوى أخرى كانت تتمنى همساً أن يتم سحب سلاح حزب الله، فليس من المنطق أن يحتفظ طرف لبناني بترسانة عسكرية دون غيره من اللبنانيين.

كان هذا في العام 2006، لكن منذ ذلك الحين، أمور كثيرة طرأت، ومواقف تبدلت، وظروف كثيرة تغيرت. فحزب الله عام 2006 لم يعد نفسه عام 2018 , يومها كان يؤكد الحزب في كل مناسبة أن سلاحه موجّه تجاه العدوّ الإسرائيلي فقط، وأن هذا السلاح لا غاية من ورائه إلا حماية اللبنانيين والدفاع عنهم في مواجهة أيّ عدوان. لكن بندقية حزب الله سرعان ما غيّرت وجهتها في أيار عام 2008 وتوجهت إلى اللبنانيين، واستُخدم في استباحة بيروت والسيطرة عليها، وتدمير مقارّ تيار المستقبل، وإحراق مؤسساته الإعلامية، وقتل وجرح واعتقال العشرات. يومها تغيرت الرواية، وبات "الاقتراب من سلاح حزب الله خطاً أحمر، واليد التي ستقترب منه ستقطع".

عام 2006 كان الاتهام باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري موجهاً نحو النظام السوري وصبيانه في لبنان. لكن بعد مرور كل تلك السنوات والتحقيقات التي قامت بها المحكمة الدولية الخاصة، بات الاتهام نحو قياديين وعناصر من حزب الله. وعِوض أن يسعى الحزب لتبرئة ساحته وتفنيد القرائن الموجهة إليه، رفض الاعتراف بالمحكمة الدولية، واتهمها بأنها "مسيّسة وهدفها حصاره والتضييق عليه".

كان حزب الله مقاومة لبنانية، معركتها مع العدو الإسرائيلي، وبعد تحرير الجنوب عام 2000 باتت تسعى لمساندة الفلسطينيين على تحرير أرضهم. أما اليوم، فلم يعد حزب الله مقاومة فقط، بل فصيلاً مسلحاً إقليمياً بارزاً يقاتل على رؤوس الأشهاد في سوريا والعراق واليمن والبحرين، وبلاد أخرى الله يعلمها.

عام 2006 كانت الجبهة التي يتحصّن فيها حزب الله هي جبهة الجنوب. لكنه اليوم، وبذريعة مواجهة الإرهاب والقوى التكفيرية، بات منتشراً على طول الحدود الشرقية مع سوريا، ويتدخل إلى جانب النظام السوري في قتل شعبه المعارضين له، ويساهم في تهجير وتشريد آلاف السوريين من أرضهم وقراهم، كل ذلك تحت راية محاربة الإرهاب.

كل ما سبق لا ينفي الفضل الكبير الذي قام به حزب الله – ومازال - في مقاومة العدو الإسرائيلي وفي مساندة المقاومة الفلسطينية، ولا ينفي حقيقة أنه أرسى توازن رعب، فلم يعد بمقدور الاحتلال أن يُغِير ويقصف ويعتدي دون ردّ من حزب الله، ولا ينفي أيضاً حقيقة أن لبنان البلد العربي الوحيد الذي تحرر من الاحتلال الإسرائيلي بفضل ضربات الحزب. لكن هذا الفضل لا ينفي الحيرة في الإجابة عن السؤال: ماذا يفعل اللبنانيون عند اندلاع مواجهة عسكرية بين حزب الله و"إسرائيل"؟!

أوّاب إبراهيم