العدد 1419 / 1-7-2020
أواب إبراهيم

بمجرد انتشار أخبار تتعلق بأزمة سيولة تعاني منها المصارف، تهافت اللبنانيون على مصارفهم طالبين استرجاع ودائعهم التي لم يكونوا يطالبون بها في السابق. وكانت نتيجة طبيعية أن تعجز المصارف عن تلبية طلب جميع المودعين في وقت واحد، وهذا لم يكن عائداً لضعف مؤونة المصارف فقط، بل لأن أي مصرف في العالم سيعلن إفلاسه إذا طلب جميع المودعين فيه موالهم.

أشيع أن سعر صرف الليرة سيتراجع، فتسابق اللبنانيون على الصرافين لتحويل كل ما يملكون من الليرة إلى الدولار، وكانت نتيجة ذلك زيادة طلب غير مسبوقة على الدولار مقابل تراجع عرضه وندرته في السوق, خاصة أن المصارف التي تهافت عليها المودعون نضبت مؤونتها من الدولار، وهذا أدى بشكل تلقائي لارتفاع جنوني بسعر صرف الدولار، وهو ما تفاجأ به اللبنانيون رغم أن سلوكهم في التهافت عليه عامل رئيسي في ما وصل إليه.

كل بضعة أيام تشيع بين اللبنانيين خبريات وإشاعات حول فقدان سلعة معينة، تارة يُحكى عن فقدان الأدوية، فيتشاطر اللبنانيون ويتوجهون إلى الصيدليات لشراء كميات مضاعفة من الأدوية التي يحتاجونها، وتكون النتيجة هي فقدان الأدوية من الصيدليات، ويتحوّل نفاد الأدوية إلى أزمة جديدة تضاف لقائمة أزمات اللبنانيين. الأمر نفسه يسري على الخبز والبنزين والمازوت والكثير من السلع، كلها أزمات مبالغ فيها واللبنانيون أنفسهم يساهمون في تكبيرها وتحويلها من مشكلة صغيرة يمكن معالجتها إلى كارثة يستحيل تجنبها. لكن السؤال: هل يُلام اللبنانيون على ردات فعلهم؟.

فردات الفعل التي يسارع إليها اللبنانيون عقب كل إشاعة أو خبرية هي ردة فعل فطرية وتلقائية لحماية أنفسهم ومحاولة تقليل الخسائر التي يمكن أن يتعرضوا لها في حال كانت الخبرية أو الإشاعة صحيحة. فلا يحق لأحد أن يلوم اللبنانيين إذا تهافتوا على المصارف لسحب جنى أعمارهم بعدما بدأت هذه المصارف بالامتناع عن دفع أموال المودعين. ولا لوم على المواطن البسيط الذي يسارع لشراء عشر ربطات خبز يخزنها في ثلاجة منزله، بعدما سمع من جاره أو من رسالة وصلته على الواتساب أن الطحين يمكن أن ينفد من السوق، أو أن سعر ربطة الخبز سيرتفع. ولا يلام اللبنانيون إذا لجأوا للمتاجرة ببيع وشراء الدولار والمضاربة به في السوق لتحصيل بضعة آلاف من الليرات رغم تسبب هذا الفعل بمزيد من تعميق الأزمة ومزيد من الانهيار النقدي والمالي.

لا يلام اللبنانيون لسبب جوهري، وهو أن ثقتهم بالسلطة التي تحكمهم معدومة، فلا يصدقونها. بل إن شريحة واسعة من اللبنانيين تؤمن بأن السلطة نفسها بفسادها وسرقاتها هي السبب فيما وصل إليه الوضع من انهيار، وهي تواصل أداءها الذي أوصل إلى ما يعاني منه اللبنانيون. فكيف يمكن أن نتوقع من اللبنانيين أن يمتنعوا عن المضاربة بالدولار وقد أطل عليهم رأس السلطة التشريعية وأحد أركان السلطة يعدهم بأن سعر صرف الدولار سيستقر وسيعود إلى مستويات منطقية، وأن الأجهزة الأمنية ستعمل على ضبط السوق السوداء وتوقيف الصرافين المخالفين، بالتزامن مع تحليق سعر صرف الدولار لمستويات خيالية، وازدهار سوق السوداء في ظل عجز الدولة عن القيام بأي فعل رادع.

كيف ننتظر أن لايتهافت اللبنانيون على المصارف لاسترداد ودائعهم رغم سماعهم تأكيدات متكررة من السلطة بأن المساس بودائعهم خط أحمر، وأن جنى أعمارهم محفوظ ولن يمس، ثم بعد ذلك يكتشفون أن الاستيلاء على جزء من ودائعهم أمر لامفر منه للخروج من الأزمة. لماذا ننتظر من اللبنانيين أن يصدقوا وزير الاقتصاد وهو يقسم الأيمان بأن أحداً لن يمس بربطة الخبز، ثم بعد ذلك يصدر تعميم برفع سعر ربطة الخبز وانخفاض وزنها.

أزمات حقيقية تعصف باللبنانيين، لكن ما يساهم في تعميق هذه الأزمات هو تصرف اللبنانيين اليائس بسبب كفرهم بسلطة فاسدة وعدم ثقتهم بكل ما تقوم به.

أوّاب إبراهيم