العدد 1376 / 4-9-2019

ليس سراً القول أن المشروع الإيراني في المنطقة يتمدد ويتوسع ويزداد نفوذاً، في مقابل ضمور المشروع المقابل الذي تتقدمه وتقوده المملكة العربية السعودية. يحصل ذلك رغم الحصار والضغط الذي تتعرض له إيران من دول العالم الغربي، والتغاضي عما ترتكبه المملكة وحلفاؤها في اليمن وليبيا وبعض قنصلياتها وأماكن أخرى.

عوامل عدة ساهمت في تمدد المشروع الإيراني، بعضها يتعلق بفطنة الإيرانيين ومراوغتهم وحنكتهم واستغلال الظروف ونقاط ضعف الطرف الآخر، وعوامل أخرى (بفتح الألف) تتعلق بخمول خصوم إيران، وعدم إدراكهم لما يفعلون، وتخبّطهم بسياسات خاطئة ولا رؤية واضحة لها، والأهم عدم استغلال مكامن القوة المتوفرة لديهم، وأبرزها البنية البشرية المستعدة للانخراط بأي مشروع يساهم في مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، كل ذلك ساهم في المزيد من ضمورهم.

بما أن المملكة العربية السعودية التي ترفع لواء مواجهة المشروع الإيراني، وبما أنها غارقة في المستنقع اليمني الذي أوقعت بنفسها به، وبما أن السلطات السعودية منشغلة بتنظيم مهرجانات الترفيه واستضافة الفنانين العرب والعالميين على أرضها "المقدسة"، فإنني أقدم لها (مجاناً) وصفة سرية يمكن من خلالها أن تشكل نواة لمشروع حقيقي يقابل المشروع الإيراني. الوصفة تتمثل ببساطة باستنساخ تجربة حزب الله في لبنان بتشكيل حزب شبيه ومقابل له، ولكن برعاية وتمويل ودعم ومساندة السعودية.

فالمملكة -حتى هذه الساعة- تعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وتطالب الاحتلال الإسرائيلي بوقف اعتداءاته وبناء مستوطناته، ا مع الشعب الفلسطيني وتطالب الاحتلال ن ستكون منطقية يل ودعم ومساندة المملكة العربية السعودية والدول الحليفة لها.

للسطات الومازالت –حتى هذه اللحظة- تقف إلى جانب لبنان في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي، وتؤكد في مواقفها على حق لبنان بحماية نفسه إزاء أي اعتداء يتعرض له، وبالتالي فإن أي مسعى من المملكة لتشكيل "مقاومة" ستكون منطقية ومنسجمة مع مواقفها أقلّه المعلن منها، ولن يكون الأمر مستغرباً، فكما أن إيران تترجم شعاراتها في استئصال الغدة السرطانية "إسرائيل" من خلال دعم حزب الله، فإن بإمكان المملكة ترجمة مواقفها بدعم تشكيل تيار جديد يساهم في حماية اللبنانيين.

مسار طويل وصعب خاضته إيران ومعها حزب الله على مدى عقود حتى نجح الحزب بتشريع وجوده واحتفاظه بسلاحه دون غيره من اللبنانيين. هذا المسار سيكون سهلاً أمام المملكة ولن تجد في طريقها أي عقبة لتشريع وجود حزب مسلح تقوم برعايته وتمويله. على العكس، فالبيانات الوزارية التي شرّعت سلاح حزب الله تنص على حق لبنان بحماية نفسه بالمطلق، ولم تنص على حصرية المقاومة بحزب الله، وبالتالي فإن أي لبناني بإمكانه القول أنه يريد المشاركة في المقاومة ومواجهة التهديدات الإسرائيلية بعيداً عن حزب الله، بل إن هذه المقاومة ستكون أكثر قوة وفاعلية وشعبية إذا لم تكن ذات طابع طائفي واحد كما هو واقعها الآن.

الفكرة ليس هزلية، بل هي واقعية جداً، ولا تتطلب الكثير، فالبنية البشرية للمشروع في لبنان جاهزة. وفي لبنان شريحة واسعة تنتظر بشوق مشروعاً مقاوماً خارج إطار حزب الله، يمكنها من خلاله التعبير عن نفسها والقيام بدورها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية ومساندة الشعب الفلسطيني. وكما استفادت إيران من وجود حزب الله ليكون نفوذا لها في لبنان والمنطقة، وتستفيد منه في معاركها ومواجهاتها الإقليمية، صحتين على قلب السعودية، فلتستفد من الحزب الجديد، ولتستخدمه في معاركها مع خصومها.

تنفق المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات لحماية نفسها مما تعتبره الخطر الإيراني بشراء أسلحة متطورة ورشوة الدول الكبرى، وتنفق مليارات أخرى لتحسين صورتها لدى الغرب من خلال تنظيم فعاليات ومهرجانات، لاتسهم إلا بالتفريط بقيم المملكة الدينية والمجتمعية والأخلاقية، لذلك لن يكون صعباً عليها إنفاق بضعة ملايين لتمويل مقاومة لبنانية هدفها مواجهة التهديدات الإسرائيلية ولتكون كتفاً إلى كتف إلى جانب الجيش اللبناني، وإلى جانب حزب الله ولكن في المقلب الآخر.

أوّاب إبراهيم