العدد 1359 / 24-4-2019
أواب إبراهيم

سرعان ما انتقل خبر التفجيرات الإرهابية التي استهدفت كنائس وفنادق في سريلنكا من صدارة عناوين نشرات الأخبار لتحتل مكانها إلى جانب الأخبار الأقل أهمية. حصل ذلك في الوقت الذي يستمر العثور على المزيد من الضحايا الذين وصلت حصيلتهم قرابة 350 شخصاً. مرّ الخبر المفجع دون أي بوادر للتضامن والتعاطف مع الضحايا وذويهم.

قبل تفجيرات سريلنكا بأيام تابع العالم خبر حريق كنيسة نوتردام الأثرية في العاصمة الفرنسية باريس. حزن وألم ودموع عمّت الكرة الأرضية، واجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغات التضامن مع الكنيسة، وتمّ تنظيم عشرات حملات التبرع لإعادة بناء وترميم الكنيسة من جديد، وتحوّل الذين لم يتمكنوا من اصطناع الحزن على حريق الكنسية إلى وحوش وهمج وقليلي إحساس.

على مدى السنوات الماضية، شهدت سوريا والعراق إحراق وتدمير عشرات المساجد والكنائس والمراقد الأثرية التي تفوق قيمتها الأثرية والتاريخية كنيسة نوتردام بمئات السنين، لكن أحداً لم يلتفت إليها، ولم يتحدث عنها، وكثيرون لم يعرفوا بها، عدا عن التعاطف والحزن عليها.

عام 2015، شهدت العاصمة الفرنسية باريس سلسلة تفجيرات إرهابية أدت لمقتل 128 شخصاً. اهتزّ العالم وأصيب بصدمة مفجعة، وسالت الدموع أنهاراً، واستنفرت دول الأرض لمساندة فرنسا في مصابها الأليم، وتداعى رؤساء وملوك أكثر من 40 دولة للمشاركة في مسيرة منددة بما تعرضت له باريس، وأضيئت ألوان العلم الفرنسي على أهم المعالم السياحية في بقاع الأرض.

شائع بين بعض المسلمين مقولة كشفت تفجيرات سريلنكا عدم صحتها، وهي أن العالم الغربي لايهتم بمصاب المسلمين لأنهم مسلمون، وأن الغرب يهتم بالمسيحيين فقط. فالضحايا في أحداث سريلنكا معظمهم مسيحيون، والتفجيرات حصلت في الكنائس.. لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للعالم الغربي للتعاطف والتضامن معهم. فمن الواضح أن معيار التضامن ليس مبنياً على العرق أو الدين، بل على مدى الانتماء والقرب من العالم الغربي الذي يعتبر نفسه متحضراً ومتمدناً. لذلك وجد الغرب أنه غير معني بضحايا سريلنكا من المسيحيين، طالما أنهم ذوو بشرة داكنة ومن الفقراء المعدمين. لكن فلنتخيّل لو أن التفجيرات نفسها حصلت في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو ألمانيا، هل سنشهد الإهمال نفسه الذي شهدناه في سريلنكا.!.

هذا التمييز العنصري نلمسه في لبنان كذلك. فوسائل الإعلام تسلط الضوء على قضايا إنسانية وتهمل أخرى، لأسباب لا منطق فيها. فيمر بشكل عادي في نشرات الأخبار ودون أي تركيز خبر موت أفراد عائلة سورية جراء احتراق خيمتهم، أو موت طفل سوري تجمّداً جراء الصقيع، بينما يتم إعداد تقارير خاصة ونقلاً مباشراً من أجل خلاف عقاري أو كسارة حجارة مخالفة للقانون.

لاتكمن المشكلة فقط في أن العالم الغربي يختار من ينتمي إليه للتضامن والتعاطف معه، بل أيضاً في أنه يتحكم ويمارس إلزاماً غير ملموس سعى بقية العالم للانسياق وراء خياراته. فإذا اهتم الغرب باعتداءات فرنسا وجب على كل من يعتبرون أنفسهم مثقفين ومتنورين الاهتمام بهذا الحدث والتعاطف معه، وإذا وجد الغرب أن مجزرة دموية وقعت في مسجد بنيوزيلندا أودت بخمسين مصلّ مسلم لا تستحق الاهتمام والتعاطف يصبح لزاماً على بقية العالم أن يهملوا هذا الحدث ويتجاوزوه.

تعاطف الغرب مع حريق كنيسة نوتردام، فتعاطف العالم كله معهم ومنهم العرب والمسلمون. أهمل الغرب تدمير عشرات الكنائس والمساجد الأثرية في سوريا، فأهمل العالم كله ومعهم العرب والمسلمون ذلك , رغم أن هذه الآثار تقع في بلادنا وتمس تاريخنا وتراثنا. فالمشكلة باتت أننا لم نعد نتحكم حتى باهتماماتنا وعواطفنا، بل المنظمة الإعلامية والاجتماعية التي يتحكم بها الغرب، وإذا أراد أحد أن يغرّد خارج السرب الذي يقوده الغرب، يصبح نافراً مستنكراً ومستهجناً.

أوّاب إبراهيم