العدد 1363 / 22-5-2019
أواب إبراهيم

مازال المتضررون من سياسة التقشف التي تعتزم الحكومة اتباعها في مشروع الموازنة يعبرون عن رفضهم لذلك، تارة بالتظاهر وتارة أخرى بالاعتصام وقطع الطرق والتهديد والوعيد. أبرز الغاضبين هم العسكريون المتقاعدون، ومن خلفهم العسكريون في الخدمة الفعلية الذين يدعمون المتقاعدين ويساندونهم لكنهم لايتظاهرون ولايصرّحون عن غضبهم لأن ذلك محظور عليهم حسب القانون، لذلك دعونا نخرج من تسمية متقاعدين ولنتفق على أنهم عسكريون.

الذريعة الأبرز التي يقدمها العسكريون لرفض المساس بالامتيازات والحوافز التي يتمتعون بها، هي أنهم ضحّوا -ومازالوا- بأرواحهم فداء للوطن، وأنهم يحملون أرواحهم بأيديهم لحماية لبنان ومواجهة أعدائه، ولتأمين حياة كريمة للبنانيين، وأن ذلك حصل بالتضحيات الكثيرة التي يقدمها العسكريون.

لاأحد يشكك بالتضحيات التي يقدمها العسكريون، لكن ليس من الضروري تذكير اللبنانيين بها كل حين، بشكل بات أقرب أن يكون "تربيح جميلة". فالعسكري حين قرر التطوع في الجيش كان يدرك مسبقاً أنه يدخل مهنة ربما تعرض حياته للخطر، وقبل بذلك. بل إنه على الأرجح بذل ما يستطيع للدخول السلك العسكري الذي يعرف جميع اللبنانيين الامتيازات والحوافز التي تُعطى لأفراده. ومن المعروف أن أي إعلان يصدر عن المؤسسة العسكرية لتطويع أفراد جدد يتقدم إليها عشرات آلاف الشباب، وسعيد الحظ بينهم هو الذي يتم قبوله. فإذا كان العسكريون يعتبرون أن أي مساس برواتبهم وامتيازاتهم خط أحمر لأنهم يحملون شرف الدفاع عن لبنان، فإن آلاف الشباب غيرهم يتمنون أن يشاركوهم هذا الشرف لكنهم لا ينالونه.

مشكلة العسكريين الغاضبين تكمن في أن اللبنانيين يعرفونهم جيداً، ويعرفون الإنجازات التي حققوها خلال العقود الماضية. فليس سراً أن كثيراً من الذين يتحدثون عن الواجب الوطني الكبير الذي يقوم به الجيش معظمهم كانوا في عداد المليشيات المسلحة التي تقاتلت خلال الحرب الأهلية، يومها قضت التسوية التي رعتها دمشق بضمّ آلاف المسلحين إلى صفوف الجيش أفراداً وضباطاً. أمر آخر يدركه اللبنانيون كذلك، هو أن شريحة واسعة من العسكريين داخل المؤسسة العسكرية ينتمون لأحزاب ويوالون زعامات سياسية وطائفية بعيدة عن الشعارات الوطنية التي يرفعونها. لذلك لا يكاد الضابط أن يحال إلى التقاعد حتى تجده مرشحاً للانتخابات على لائحة الحزب الفلاني، أويخرج علينا في وسائل الإعلام كخبير عسكري للترويج لوجهة النظر التي تساند الجهة التي يواليها، لذلك لا داعي للإطالة في الحديث عن الروح الوطنية التي يتميّز بها العسكريون.

يقدم العسكريون أنفسهم بأنهم النزيهون الشرفاء الوطنيون السياديون الذين لم يلوثهم فساد، وأن العسكري هو مواطن صالح لا تشوبه شائبة. وكان يمكن لهذا التقديم أن ينطلي علي اللبنانيين لو أنهم لم يمر عليهم نماذج مختلفة عن هذا الادعاء. فقد مرّ على اللبنانيين منذ اتفاق الطائف ثلاثة رؤساء جمهورية جاؤوا من رأس هرم المؤسسة العسكرية. الأول هو إميل لحود الذي رفضه نصف اللبنانيين لأنه كان أداة بيد الوصاية السورية. الثاني هو ميشال سليمان، الذي يتهمه النصف الثاني من اللبنانيين بأنه كان أداة بيد الولايات المتحدة لمحاصرة حزب الله وسحب سلاحه. أما الثالث فهو الرئيس ميشال عون الذي لن نتمكن من الحديث عنه حرصاً على عدم ملاحقتنا قانونياً بتهمة المساس برئيس الجمهورية، لكن ذاكرة اللبنانيين تحمل الكثير من الذكريات.لذلك من فان غير المنطقي اتهام العسكريين الغاضبين للسلطة بالفساد، وهم يدركون أن رأس هذه السلطة جاء من بينهم.

ماسبق لا ينفي أن المؤسسة العسكرية مازالت تحافظ على سمعة طيبة ومازالت تحظى بثقة جلّ اللبنانيين، لكن هذه الثقة لايجب أن تنسينا بأن أفراد وضباط المؤسسة العسكرية ليسوا كائنات فضائية هبطوا علينا من السماء، بل هم مواطنون لبنانيون، أصابتهم الأمراض والآفات التي أصابت بقية اللبنانيين.

يضحّي العسكريون بأرواحهم من أجل لبنان، اليوم مطلوب منهم أن يضحّوا ببعض الامتيازات التي يتمتعون بها من أجل لبنان، فليس منطقياً أن يطال التقشف كل قطاعات الدولة ولا يطال القطاع الأبرز وهم العسكريون. فالتضحية ببون بنزين أو الاستغناء عن سائق لايعدّ شيئاً أمام التضحيات الجسام التي يقدمها العسكريون.

أوّاب إبراهيم