العدد 1422 / 22-7-2020
أواب إبراهيم

رغم الأزمات التي تعصف بلبنان، وجد اللبنانيون متسعاً من "فضاوة البال" كي يختلفوا فيما بينهم حول الدعوة التي أطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لوقوف لبنان على الحياد، وأن ينأى بنفسه عن المحاور المتخاصمة، باعتبار هذا الحياد يحقق مصلحة لبنان واللبنانيين. وعِوض أن تكون دعوة البطريرك للنقاش وإثراء الحوار، تحولت الى قضية جديدة للخلاف بين اللبنانيين، خاصة أن ما فهمه البعض من دعوة البطريرك هي إشارة ضمنية لانتقاد تدخل حزب الله في حروب وأزمات خارج لبنان، هذا الفهم استتبع انقساماً بين اللبنانيين، بين من هو إلى جانب حزب الله ظالماً أو مظلوماً، وبين من أيّد موقف البطريرك ليس بالضرورة إعجاباً بموقفه بل نكاية بالحزب.

بعيداً عن الانقسام السياسي المؤيّد والمعارض لدعوة البطريرك الراعي، تبقى مناسبة تستحق التوقف والنقاش بمعزل عن الخلفيات والدوافع. هل فعلاً من مصلحة لبنان التزام سياسة الحياد، ثم هل بإمكان لبنان التزام سياسة الحياد اذا قرر أبناؤه ذلك، وهل من المسموح للبنان أن يكون محايداً ؟ أما السؤال الرئيسي: هل يريد اللبنانيون أن يكونوا على الحياد إذا أتيح لهم ذلك؟!.

من حيث المبدأ، كل دولة صغيرة لا تملك مقومات بشرية وجغرافية وعسكرية واقتصادية مثل لبنان, من مصلحتها الوقوف على الحياد وعدم الانخراط في سياسة المحاور والخصومات التي تخوضها عادة الدول الكبرى التي تسعى للتوسع والتدخل في بلدان أخرى. فانخراط الدول الصغيرة في المحاور المتخاصمة يجعلها طرفاً في أي نزاع بين المتخاصمين، وعلى الأرجح ستكون هذه الدول الساحة التي ستكون مسرحاً للمواجهة بين الدول الكبرى التي تحرص على إبقاء أرضها بعيدة عن المواجهة مع الآخرين. لذلك، منذ نشأ لبنان كان ساحة لتصفية الحسابات وصندوق بريد لكل من أراد توجيه رسالة. هذا الدور الذي قام ومازال يقوم به لبنان يجعل من غير المسموح أن يكون على الحياد. فهل يتخلى النظام السوري عن حديقته الخلفية، دون أن يكون له نفوذ فيها. وهل تسمح الولايات المتحدة ومعها "إسرائيل" أن يتحول لبنان إلى ملعب لإيران على حدود فلسطين المحتلة دون أن تحرك ساكناً؟ في المقابل هل يمكن لإيران أن تقبل بنفوذ أميركي وإسرائيلي في بلد تملك فيه طهران نفوذاً وقوة هي الأكبر خارج الأراضي الإيرانية. كل الدول لن تسمح بأن يكون لبنان على الحياد، فهي لطالما استغلته واستفادت منه وجعلته كيس رمل يصدّ عنها الضربات حين تحصل. لكن على فرض أن العالم انشغل بنفسه، ولم يعد يحتاج للبنان مساحة للتقاتل وتبادل الرسائل، وبات الأمر بيد اللبنانيين هم الذين يقررون مصير وطنهم، ما الذي يريده اللبنانيون، هل يريدون لبلدهم الحياد لقطف ثماره وعدم تحويل أرضهم لساحة حرب الآخرين، أم أنهم فعلاً مقتنعون بأن الحياد فيه مصلحة لهم وللأجيال التي تأتي من بعدهم؟.

لايحتاج الأمر لكثير تدقيق لاكتشاف بأن الارتماء في سياسة المحاور والتبعية للخارج رغبة لبنانية داخلية. قد تعزّز الدول الكبرى هذه الرغبة وتدعمها، لكن الأكيد أنها ليست مفروضة جبراً على اللبنانيين. فمن المسلّم به أن فريقاً من اللبنانيين لايجد ضيراً من تأمين مصالح إيران والعمل من أجلها، ولو أدى ذلك لإحراق البلد. وفريق آخر يسعى للارتماء في أحضان المحور الآخر كالولايات المتحدة وفرنسا والسعودية. لكن الطرفين ينسون أن المواجهة بين المحورين لا تجري في واشنطن ولا باريس ولا الرياض بل على أرض لبنان وبين شعبه.

غبطة البطريرك، دعوتكم للحياد قد تكون بريئة، لكنها غير قابلة للتطبيق.