العدد 1362 / 15-5-2019
أواب إبراهيم

المرحوم حسان الضيقة، مخلص جمركي كان موقوفاً بتهمة تشكيل عصابة لتهريب المخدرات خارج لبنان. والد حسان اتهم فرع المعلومات بالتسبب بوفاة ابنه جراء تعذيبه خلال التحقيق معه. نفى فرع المعلومات التهمة وقدم قرائن وأدلة تدعم براءته، وزير العدل أسف لما حصل ووعد بالتحقيق، وزيرة الداخلية أكدت أنها ستتابع الموضوع حتى النهاية، المدعية العامة نفت صلتها بالوفاة، اصبحت وفاة حسان الضيقة حديث الساعة، وضجّت بأخباره وسائل التواصل الاجتماعي. سواء كان والد حسان محقاً في اتهامه أم لا، فهي ليست المرة الأولى التي يموت فيها موقوف داخل السجن بسبب التعذيب، ومن الواضح أنها لن تكون الأخيرة. فقد سبق أن حصلت حالات وفاة كثيرة جراء التعذيب، لكن سرعان ما تتم لفلفتها وإهمالها ولا يهتم أحد بمتابعتها، ويقتصر الأمر على سطر في تقرير لمنظمة حقوقية. آخرها وفاة ثلاثة سوريين عام 2017 بعد يومين من توقيفهم إلى جانب 400 آخرين خلال عملية دهم قام بها الجيش اللبناني لمخيم للنازحين في منطقة عرسال. لم يهتم أحد بالأمر، وسرعان ما نسي الجميع ما حصل.

ما جعل قضية حسان الضيقة تأخذ الاهتمام والمتابعة والضجيج الإعلامي دون غيره من حالات كثيرة سبقته، هي أنه لاينتمي للدائرة التي تعتبر السلطة أن من المسموح قتلها وتعذيبها في السجن. فالضيقة مواطن لبناني من الطائفة الشيعية من قرية شمسطار يعمل مخلصاً جمركياً. في حين أن التعذيب المفضي للموت الذي لامشكلة فيه بالنسبة لهذه السلطة، هو أن يكون الضحية إما من النازحين السوريين وهي تهمة كافية لتعذيبهم، أو لبنانيين متهمون بجرائم تشكيل عصابات إرهابية، وهو المصطلح الذي يتم التدليل به على المجموعات الإسلامية، ولا فرق بعد ذلك ان ثبتت التهمة أم لم تثبت. في هاتين الحالتين تجد السلطة في لبنان أنه لاضير من تعذيب الموقوف في السجن، ولو أدى ذلك الى وفاته.

العام الماضي، ألقى جهاز أمن الدولة القبض على الممثل اللبناني زياد عيتاني بتهمة العمالة لإسرائيل، بعد انكشاف تواصله مع ضابطة استخبارات من الموساد. بعد التحقيق معه، اعترف عيتاني بالتهمة المنسوبة إليه، لتتبين بعد أسابيع براءته وانكشاف تورط ضابطة كبيرة في قوى الأمن الداخلي باختراق حسابات عيتاني لاتهامه بالعمالة، أما الاعترافات فتم إهمالها بعدما تبين أنها أخذت تحت التعذيب، وتمّت لفلفة القضية سريعاً، دون من يراجع الجهاز الأمني عن التعذيب الذي مارسه وضلّل بسببه العدالة.

عام 2013 وفي أعقاب أحداث منطقة عبرا بصيدا، استدعت الأجهزة الأمنية مئات الشباب من أبناء المدينة للتحقيق معهم بعلاقتهم بالشيخ أحمد الأسير. التهمة هي العلاقة بالأسير وليس المشاركة بالاشتباكات المسلحة. أحد الذين تمّ استدعاؤهم كان أحد المصلين في مسجد بلال بن رباح ويدعى نادر بيومي. استجاب نادر لاستدعائه إلى مخابرات الجيش، اختفى يومين ولتعلن بعدها وفاته في السجن. آثار التعذيب والصعق الكهربائي وأعقاب السجائر كانت واضحة على جثة نادر في كل أنحاء جسده، وهو ما أكده تقرير الطبيب الشرعي، لكن ذلك لم يحرك وزيراً ولا مدعياً عاماً ولاحتى وسائل التواصل الاجتماعي.

قبلها سنوات، وتحديداً عام 2004 وفي ظل الوصاية السورية على لبنان، اعتقلت الأجهزة الأمنية بقيادة الياس المر عشرات الشبان من الشمال والبقاع بتهمة تشكيل شبكة إرهابية كانت تستهدف تفجير السفارة الإيطالية. خرج علينا وزير الداخلية في مؤتمر صحفي معلناً الإنجاز الذي تحقق بكشف الشبكة، بالتزامن كان أحد الموقوفين ويدعى إسماعيل الخطيب من بلدة مجدل عنجر يلفظ أنفاسه الأخيرة جراء التعذيب الذي تعرض له. ومن المفارقة أن مسؤول الوصاية السورية في لبنان -حينذاك- رستم غزالة هو الذي عمل على تهدئة أهالي مجدل عنجر ومنع تفاقم الأمور التي تسبب بها وزير الداخلية.

اختلفت العهود، وتنوّعت معها ولاءات الأجهزة الأمنية، لكن الثابت الوحيد هو أن التعذيب في أقبية السجون منهج وسلوك معتمد ومتفق عليه، وتمارسه جميع الأجهزة سواء كانت مقربة من 14 أو 8 آذار.

أوّاب إبراهيم