العدد 1429 / 23-9-2020
أواب إبراهيم

مرّ الخبر سريعاً.. تفاعل الإعلام معه يوماً أو يومين، تفاعلت معه وسائل التواصل الاجتماعي يوماً إضافياً، ثم انتقل إلى ملف الأخبار الأرشيفية. فتاة عمرها 14 عاماً تموت حرقاً بعدما أشعل أحد الأشخاص النار في المنزل الذي كانت فيه. نظرة أكثر عمقاً الى الحادثة تكشف جوانب أخرى تستحق المراجعة. هربت الفتاة من منزل ذويها قبل أسبوعين من الحادثة ولجأت لمنزل قطنه رجل وابنه. عادت مع الرجل وابنه إلى المنزل مخمورين حيث تعرضت للضرب من قبل الابن، فهربت لمنزل آخر يقطنه شاب. حصل تعارك بين الشابين بسببها، ثم عاد الشاب الآخر وأراد الانتقام فأحرق الغرفة التي كانت تنام فيها الفتاة ثم استدعى الإطفاء. وقيل بأن الشبان كانوا يستغلون الفتاة للعمل في الدعارة وترويج المخدرات.

التأمل في بعض جوانب هذه الحادثة يكشف جوانب أخلاقية واجتماعية مخيفة وصل إليها المجتمع اللبناني، تستدعي إعلان حال الطوارئ، لأنها أكثر خطورة من فيروس كورونا. أين أهل الفتاة التي هربت؟ لماذا لم يسألوا أو يبحثوا عنها؟ لماذا لم يتقدموا ببلاغ عن هروبها؟ ما هي التربية البيتية التي تدفع فتاة مراهقة للهرب واللجوء إلى منزل غرباء؟ لو كانت الفتاة تعيش في بيئة غريبة عنها لقيل إنها انجرفت بمحيطها، وأثّر عليها من حولها، لكنها تعيش بين أهلها وناسها، وهربت من منزلها لمنزل قريب. ثم ما هو الدرك الأخلاقي الذي يدفع شباناً لاستغلال مراهقة والاعتداء عليها؟ أليس لهؤلاء الشباب أهل قاموا بتربيتهم ويحيطون بهم وينصحونهم؟ ألا يدل ذلك على أزمة أخلاقية نعيشها؟

أليست أزمة اجتماعية وأخلاقية حين يموت أحد أبطال كرة القدم برصاصة طائشة أصابته بمقتل خلال إطلاق النار في تشييع أحد ضحايا انفجار مرفأ بيروت؟ أليست أزمة اجتماعية حين يحتفي مواطنون في عكار بحضور نائب لعرسهم فيقومون بنثر الأموال فوق رأسه، في الوقت الذي يبعد لبنانيون آخرون مئات الأمتار في قرى عكار وطرابلس لايجدون قوت يومهم؟!. أليست أزمة أخلاقية مستعصية حين يقوم مهربون استولوا على أموال فقراء معدمين باعوا كل ما يملكون للخروج من لبنان عبر زوارق متهالكة، ثم يتيهون في البحر يموتون عطشاً وجوعاً وغرقاً بعدما تخلى عنهم المهربون وسط البحر؟

أليست أزمة أخلاقية واجتماعية حين يستغل التجار ارتفاع سعر الدولار لرفع أسعار سلعهم رغم أنهم اشتروا بضائعهم على السعر المنخفض، ويحتكرون سلعاً ويخفون أخرى حتى يرتفع سعرها، ولايخفضون أسعارهم رغم تراجع سعر الدولار؟ أليست مشكلة اجتماعية حين يمتهن الكثير من اللبنانيين المتاجرة بالدولار والمضاربة به، مما أدى لتعميق أزمة الدولار وفقدانه من السوق وحرمان آخرين منه رغم حاجتهم له؟!.

كلها مؤشرات تعكس أزمات أخلاقية واجتماعية وإنسانية مستعصية. صحيح أن على الدولة مسؤولية كبيرة في وصول اللبنانيين لهذا الدرك، بسبب عدم تطبيق القانون وغياب الجدية في ملاحقة المجرمين والقتلة وتجار الموت والمحتكرين والمضاربين والفاسدين والسارقين، لكن هذا لايعفي الشعب اللبناني من تحمل جزء من المسؤولية. فلو اعتنى ذوو الفتاة القتيلة بابنتهم، لما لجأت لمجرمين استغلوها واعتدوا عليها وقاموا بقتلها. ولو امتلك الذين يطلقون الرصاص في الهواء حس المسؤولية لما كرروا فعلتهم، ولو تحلى التجار بالأخلاق لما قاموا باستغلال أزمات اللبنانيين.

في لبنان أزمات كثيرة وعميقة تفتك بالبلد. أزمات سياسية وأمنية واقتصادية ونقدية. ربما يكون للأزمة السياسية مخرج كأن يتنازل سعد الحريري لخصومه كما يفعل دائماً. ربما يكون للأزمة الاقتصادية والنقدية حل بتقديم صندوق النقد الدولي مساعدات تعين الدولة على الوقوف على قدميها. لكن كيف يكون حل الأزمة الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية التي وصل إليها اللبنانيون؟.