أوّاب إبراهيم

هل كان أحد ليصدق أن التهمة التي وجهها الاحتلال الإسرائيلي لعماد العلمي عام 1988 كانت التنظيم والتحريض من خلال اللجنة الإعلامية التابعة لحركة حماس؟!. هل كان أحد ليصدق أن انطلاقة «أبو همام»في حركة حماس كانت من خلال العمل الإعلامي والجماهيري. مصدر الاستغراب هو أن مسيرة عماد العلمي في صفوف حماس منذ خروجها من غزة عام 1991 كانت بعيدة عن الإعلام. فالصمت والخجل وتجنب الإعلام والأضواء صفة رافقت ولازمت أبو همام عضو المكتب السياسي لحركة حماس. لذلك، لن يكون سهلاً الكتابة عن شخصية سمتها الأساسية العمل بصمت وهدوء وبعيداً عن الصورة. فإذا ما بحثت في أرشيف حركة حماس لن تجد تصريحاً صحفياً واحداً صادراً عن عماد العلمي، وستعجز حتى تجد كلمة ألقاها في ندوة أو محاضرة أو اجتماع رغم المراكز القيادية الكثيرة والهامة التي تبوّأها في صفوف حركة حماس منذ انطلاقتها.فالصفة الأبرز التي تميّز بها عماد العلمي هي صمته وقلّة كلامه. ولعلّ هذه الصفة هي التي جعلت الاحتلال الإسرائيلي يضع عماد العلمي على لوائح الاغتيال، لاعتقاده أن العلمي هو المسؤول العسكري والأمني في حركة حماس، وأن صمته وبعده عن الأضواء ووسائل الإعلام سببه الدواعي الأمنية.
المرة الأولى التي سمع فيها العالم باسم عماد العلمي كانت في كانون ثاني من العام 1991، حين أبعد الاحتلال الإسرائيلي أبا همام وثلاثة من إخوانه في حماس إلى لبنان. حين وصوله إلى بيروت، نُظمت للعلمي وإخوانه سلسلة لقاءات إعلامية واحتفالات، ومازلت أذكر أنه كان يقدم إخوانه المبعدين للحديث ثم يجول بنظراته الخجولة على الحاضرين. لم يستقر أبو همام في لبنان التي أبعد إليها، فسرعان ما تم تكليفه بمهام جديدة. فتولى مسؤولية تمثيل حركة حماس في طهران لعدة سنوات، وكان أول ممثل للحركة في إيران ومهندس العلاقة معها.لكن رغم ذلك لا أحد يذكر صورة لأبي همام إلى جانب مسؤولين إيرانيين، ولايمكن العثور على تصريح له يشيد فيه بالإمام الخامنئي أو بقائد فيلق القدس قاسم سليماني.
يكاد يكون عماد العلمي القيادي الوحيد الذي قرر العودة إلى فلسطين حين سنحت الفرصة. فبعد اندلاع الأزمة السورية وخروج قيادة حماس من دمشق، كانت رغبة أبو همام واضحة بالعودة إلى القطاع، إلى حيث ولد ونشأ وانطلق في مسيرته الجهادية. حاول إخوانه في قيادة حماس ثنيه عن قراره، فالحاجة لخبرته وحكمته في الخارج كبيرة، كما أنه في غزة سيكون هدفاً سهلاً للاستهداف من الاحتلال الإسرائيل، لكن أبا هماملم يستجب لتمنيات من حوله وعاد إلى الأرض التي انطلق منها. الصمت والهدوء الذي رافق عماد العلمي خارج فلسطين رافقه إليها، رغم أنه في غزة كان نائباً لرئيس الحركة، لكن هذه المكانة القيادية لم تمنعه من الحفاظ على صمته وهدوئه وتجنب الظهور أمام الإعلام، وهربه من الجلوس في الصف الأول في المناسبات والاحتفالات.
كان العلمي ركناً أساسياً وشبه دائم في وفود حركة حماس في الملفات الأساسية، سواء في العلاقة السلطة الفلسطينية أو مع النظام المصري وطبعاً في العلاقة مع إيران، أو حتى في التفاوض غير المباشر مع الاحتلال.
في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014 أصيب أبو همام في غارة فبترت ساقه. قلّة التي عرفت بإصابته حينها، فكما هو طبع الرجل، خرج أبو همام بصمت ودون ضجيج من قطاع غزة إلى تركيا حيث خضع للعلاج واستخدم منذذاك ساقاً اصطناعية، وسرعان ما عاد إلى أرض فلسطين في غزة ليتابع مسيرته في صفوفحماس بهدوء كما هو دائماً.
نسأل الله السلامة لأبي همام الذيقدم بأدائه نموذجاً فريداً ومتميزاً من القيادة الحكيمة الهادئة.
*حتى كتابة هذه السطور كان وضع عماد العلمي الصحي حرجاً جراء إصابته بطلق ناري في رأسه.