العدد 1590 /29-11-2023
بسام غنوم
تركت معركة طوفان الأقصى
آثارها على الساحة اللبنانية سواء على الصعيد السياسي اوعلى الصعيد الشعبي ، فعلى
الصعيد السياسي تراجعت الخلافات السياسية التي كانت قائمة حول انتخابات رئاسة
الجمهورية وكذلك تراجع الاهتمام بباقي الملفات ومنها قضية التمديد لقائد الجيش
اللبناني جوزاف عون رغم اهميتها وضرورتها في هذه الفترة بالذات التي تشهد مواجهة
مفتوحة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة ، حيث يلعب الجيش
اللبناني دورا اساسيا في الصراع القائم ويشكل صمام امان للسكان في القرى والبلدات
الجنوبية .
وفي هذا الاطار نصحت
مصادر وزارية بضرورة وقف الجدل الاعلامي حول مصير قيادة الجيش سواء بالنسبة الى
التمديد لقائده او تعيين قائد آخر واعضاء في المجلس العسكري، فكل شيء في أوانه
خصوصاً انّ هناك قراراً واضحاً على جميع المستويات بعدم المَس بالمؤسسة وأن ما
يجري تداوله من سيناريوهات مختلفة لا تستند الى اي توجّه رسمي تضر بهيبتها
وسمعتها، وانّ الحكومة لن تفرّط بها وتضمن لها ما تحتاجه من مقومات ومعها العالم
اجمع الحريص على مساعدتها لتجاوز المرحلة الصعبة.
اما على الصعيد الشعبي
فرغم كل الازمات التي يعيشها لبنان وخصوصا على المستوى الاقتصادي ، فإن حجم الوعي
بضرورة الحرص على قوة المقاومة في لبنان من اجل حمايته من همجية العدو الصهيوني
اصبح كبيرا جدا، خصوصا بعد بطولات كتائب القسام وقوى المقاومة في غزة التي اكدت ان
العدو الصهيوني لايفهم الا لغة القوة ، وانه لايمكن حماية لبنان واللبنانيين من
هذا العدو المجرم الا بوجود مقاومة قوية قادرة على مواجهة هذا العدو الذي لايقيم
اي اعتبار لقرارات مجلس الامن ولا لحقوق الانسان ولا يتورع عن استهداف المساجد
ودور العبادة والمستشفيات ، وما تقوم به المقاومة في جنوب لبنان في مواجهة العدو
الاسرائيلي خير دليل على ضرورة واهمية وجود مقاومة قوية وقادرة تستطيع حماية
لبنان.
والسؤال الذي يطرح نفسه
في ضوء معركة طوفان الاقصى في لبنان هو : هل غيرت معركة طوفان الاقصى المعادلات
السياسية في لبنان ؟
قبل معركة طوفان الاقصى
ليس كما بعده سواء في العالم والمنطقة ككل ، وكذلك الامر في لبنان وهو ما تؤكده
المواقف والتحركات السياسية والشعبية في مختلف بلدان العالم ، حيث اعادت معركة
طوفان الاقصى وبطولات كتائب القسام وقوى المقاومة في غزة رسم صورة مختلفة للصراع
مع العدو الصهيوني الذي وجد نفسه رغم كل الدعم الاميركي والدولي معزولا امام الراي
العام الدولي ، وعادت القضية الفلسطينية وما يعاني منه الشعب الفلسطيني من ظلم
وعدوان على يد الاحتلال الصهيوني ، لتحتل قائمة الاهتمامات الدولية والاسلامية
والعربية سواء لدى الانظمة والحكام الذين كان يتصرفون وكأن قضية فلسطين والشعب
الفلسطيني اصبحت من الماضي ، او لدى الشعوب العربية والاسلامية والاحرار في العالم
الذين اعادوا اكتشاف القضية الفلسطينية بفعل معركة طوفان الاقصى المباركة.
وفي لبنان كان الجدل
السياسي حول انتخابات رئاسة الجمهورية بين مختلف القوى السياسية قبل معركة طوفان
الاقصى ، قد وصل الى منحدرات خطيرة اصبحت تهدد وجود لبنان كدولة وكيان مع دعوة
البعض الى قيام نظام كونفيدرالي في لبنان ، حيث تستقل كل طائفة بمناطق معينة ،
وكذلك راجت دعوات للعودة الى الحرب الاهلية في لبنان وكل ذلك كل يجري بفعل تحركات
وضغوط من قبل بعض السفارات الاجنبية والعربية في لبنان لفرض معادلة سياسية جديدة ،
بحيث اصبح لبنان قبل معركة طوفان الاقصى على كف عفريت بكل ما في الكلمة من معنى.
لكن بعد معركة طوفان
الاقصى وبطولات كتائب القسام وقوى المقاومة في غزة اخذت الامور منحى آخر سواء على
الصعيد الداخلي او على الصعيد الخارجي .
فعلى الصعيد الخارجي
انكفأت الضغوط الدولية على المقاومة في لبنان بصورة كبيرة بفعل معركة طوفان الاقصى
، وما تقوم به المقاومة في الجنوب من دعم واسناد للمقاومة في غزة ، حيث يمكن القول
ان ما كان يثار في السابق حول دور المقاومة في لبنان من قبل بعض الدول العربية
والاجنبية من اجل الوصول الى حل سياسي لازمة انتخاب رئاسة الجمهورية اصبح من
الماضي .
اما على الصعيد الداخلي
فإن النقاش بعد معركة طوفان الاقصى اصبح يسلك مسلكا آخر مختلف عما سبق معركة طوفان
الاقصى وهو ما عبر عنه نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في حفل
تأبين نجل النائب محمد رعد ، فقال: «هذه المقاومة الحاضرة بأولادها وأطفالها
ونسائها وكل ما تملك لا يمكن أن تهزم». واضاف: «لن نسمح لدول الإستكبار و»إسرائيل»
برسم حدود ومسار حريتنا. نريد استقلال بلدنا استقلالا كاملا وتحرير أرضنا تحريرا
كاملا حتى آخر شبر وخياراتنا السياسية منسجمة مع هذا الاتجاه». واعتبر ان «الإنجاز
المُزلزل في «طوفان الأقصى» سيكون مؤشراً للمستقبل أن المقاومة لا يمكن أن تهزم».
وهذا الامر
اصبحت تدركه جيدا القوى السياسية اللبنانية التي كانت تستقوي بما يسمى الموقف
العربي الرسمي والمواقف الدولية ، فبدأت تعيد حساباتها على ضوء نتائج معركة طوفان
الاقصى ، وما تشهده الساحة اللبنانية حاليا من شبه غياب للحديث عن انتخابات رئاسة
الجمهورية او بالنسبة للتمديد لقائد الجيش جوزاف عون الا دليل على المتغيرات
السياسية في لبنان بعد معركة طوفان الاقصى.
بالخلاصة الخارطة
السياسية في لبنان لن تكون كما كانت قبل معركة طوفان الاقصى، لان المتغيرات
السياسية والعسكرية والجيوسياسية التي بدلتها معركة طوفان الاقصى فعلت فعلها
لبنانيا وعربيا ودوليا.
بسام غنوم