العدد 1662 /7-5-2025

تفرض قضية السلاح الفلسطيني في لبنان وتحديداً داخل المخيمات، نفسها بنداً أساسياً في النقاشات الدائرة في لبنان اليوم، والمرتبط بنزع السلاح، تنفيذاً لتوجهات الدولة اللبنانية، بما في ذلك ما أعلنه رئيس الجمهورية اللبناني جوزاف عون في خطاب القسم من أن "2025 سيكون عام حصر السلاح بيد الدولة"، ثم تأكيده في مقابلة مع "العربي الجديد" في شهر إبريل/نيسان الماضي أن "القرار اتُّخذ بحصرية السلاح بيد الدولة، وهذا يشمل أيضاً السلاح الفلسطيني".

لكن هذه النقاشات، تحديداً ما يتعلق بقضية السلاح الفلسطيني في لبنان تسارعت بعد إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة في 22 و28 مارس/آذار 2025 التي خلصت تحقيقات الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى أنّ المجموعة المنفِّذة تضم لبنانيين وفلسطينيين. وعلى الرغم من أنّ حركة حماس نفت أي ضلوع لها في عملية إطلاق الصواريخ، فهي لم تتعاون خلال الأسابيع الماضية في قضية تسليم اثنين من المتورطين. لكن بعد التحذير الصادر عن المجلس الأعلى للدفاع اللبناني للحركة قبل أيام، أعلن الجيش اللبناني أمس الأحد أنه نتيجة لسلسلة اتصالات أجرتها مديرية المخابرات والمديرية العامة للأمن العام، تسلمت مديرية المخابرات من حركة حماس الفلسطيني (م.غ.) عند مدخل مخيم عين الحلوة - صيدا، وهو مشتبه في تورطه في عمليتَي إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة. مع العلم أن مصادر أمنية لـ"العربي الجديد" كانت قد أشارت إلى احتمال رفع الغطاء عن المتورطيْن. كما ينتظر أن يكون ملف السلاح الفلسطيني في لبنان حاضراً خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس للبنان. وبحسب ما علمت "العربي الجديد"، فإنّ الزيارة جرى ترتيبها يوم 21 مايو/ أيار الجاري للبنان، حيث من المتوقع أن يرافق عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الجديد عزام الأحمد، في زيارة تستمر يومين، الهدف الأساسي منها العمل على نزع سلاح المخيمات الفلسطينية.

وفي أول اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع اللبناني برئاسة الرئيس جوزاف عون، في القصر الجمهوري في بعبدا الجمعة الماضي، قرر المجلس رفع توصية إلى الحكومة "تحذر حركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمسّ بالأمن القومي اللبناني، حيث سيتم اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية". وبحسب البيان الصادر يومها، فقد "أخذ المجلس الأعلى للدفاع علماً بمباشرة الملاحقات القضائية بحق كل الموقوفين على ذمة التحقيق في قضية إطلاق الصواريخ في 22 و28 مارس/آذار 2025، وبملاحقة كل من يثبت تورطه في هذه القضية، في ضوء ما تثبته التحقيقات المستمرة".

وترافق هذا التحذير مع تعزيز الجيش اللبناني في الأيام الأخيرة إجراءاته الأمنية عند مداخل مخيم البداوي شمالي لبنان، عبر استحداث نقاط تفتيش وتكثيف الدوريات. وفيما ذكّرت مصادر أمنية تحدثت لـ"العربي الجديد" بأن الخطة الأمنية "وُضعت قبل ثلاث سنوات من قبل قيادة الجيش، تحسباً لتسلل خلايا نائمة من سورية إلى الداخل اللبناني، واستغلالها المخيمات الفلسطينية بيئةً آمنة للتمدد"، لكنها وضعت تعزيز الإجراءات "ضمن سياق تدريجي، هدفه فرض رقابة صارمة على مداخل المخيمات، تمهيداً لتفاهم يُفضي إلى نزع السلاح الفلسطيني داخلها، من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الفصائل". وقالت المصادر إن "المعالجة ستكون سياسية، بخاصة إذا زار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بيروت"، مضيفة أنّ "الأولوية الآن لضبط الفوضى الأمنية، وليس لتفجير اشتباك داخلي".

وليست الإجراءات في مخيم البداوي أولى الإشارات. فقد سبقها، قبل أشهر، تسلّم الجيش اللبناني مواقع استراتيجية كانت تسيطر عليها فصائل فلسطينية مسلّحة في قوسايا والسلطان يعقوب وحشمش في البقاع، مع ما فيها من أسلحة وعتاد. وقد رُبطت هذه الخطوة بمحاولة بناء "تفاهم ميداني" بين الدولة والفصائل، في ما يُشبه جسّ النبض، ولا سيما أن المواقع المُسلّمة كانت تحت نفوذ فصائل محسوبة تاريخياً على "محور الممانعة"، وتحديداً الجبهة الشعبية - القيادة العامة. كذلك، سلّمت بعض الفصائل موقوفين في ملف إطلاق الصواريخ، فيما يسود ترقب لمعرفة ما ستقدم عليه "حماس" في الساعات المقبلة.

مع العلم أن قضية الصواريخ الأخيرة ليست الأولى من نوعها. ففي إبريل/نيسان 2023، أطلقت صلية صواريخ من لبنان على المستوطنات الإسرائيلية، حمّل جيش الاحتلال وقتها حركة حماس مسؤولية إطلاقها. وقال، في بيان وقتها، إن "الحديث عن حدث متعدد الجبهات. لكن الفاعل الذي أطلق الصواريخ هو حركة حماس من لبنان". كذلك انخرطت الحركة في معركة الإسناد التي دشنها حزب الله إسناداً لغزة قبل أن يشن الاحتلال عدوانه على لبنان العام الماضي. واغتال الاحتلال العديد من كوادر الحركة، سواء خلال وجودهم على الجبهة، أو في مقراتهم أو على الطرقات، وفي مقدمتهم نائب رئيس الحركة، صالح العاروي، في 2 يناير/كانون الثاني 2024، خلال عقده اجتماعاً في مكتب للحركة في ضاحية بيروت الجنوبية.

الفصائل الفلسطينية: "لسنا عائقاً... لكن بشروط"

ولم تعلن الفصائل الفلسطينية أنها تبلغت قراراً رسمياً بنزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات أو تسليم موقوفين، بل تقول مصادرها إن "السلاح لن يكون عائقاً أمام الدولة، لكن المطلوب مقاربة جماعية، ولجنة حوار فلسطينية – لبنانية". وأكدت أن "وجود فصائل المقاومة في المخيمات لا يعني أنها متمردة على السيادة، بل هو نتيجة تراكمات تاريخية لا يمكن تجاوزها بسهولة".

جذور السلاح الفلسطيني في لبنان

جذور السلاح الفلسطيني في لبنان تعود إلى اتفاق القاهرة عام 1969، الذي منح منظمة التحرير الفلسطينية حق التسلح والتنقل داخل لبنان. ورغم إلغاء الاتفاق في عام 1987، ظل السلاح الفلسطيني في لبنان قائماً، ولا سيما مع بقاء بعض الفصائل المسلحة الموالية لسورية خارج سلطة الدولة.

الدولة: تفاهم لا صدام

في لبنان، تنشط مجموعة من الفصائل، أبرزها حركة فتح، التي تأسست عام 1959 بقيادة ياسر عرفات، وهي أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية وتُعدّ عنصراً أساسياً في السلطة، فيما تنشط "كتائب شهداء الأقصى" التابعة لها في عدد من المخيمات. إلى جانبها، تقف حركة حماس، التي تأسست عام 1987 وتتمتع بحضور تنظيمي لافت، رغم التوترات التاريخية مع "فتح".

وتحضر أيضاً "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي أسسها جورج حبش عام 1967، والتي، رغم تراجع نفوذها، لا تزال تحافظ على مواقع رمزية. أما "الجبهة الشعبية – القيادة العامة"، المنبثقة منها عام 1968 بقيادة أحمد جبريل، فاحتفظت بمواقع عسكرية خارج المخيمات في مناطق البقاع بدعم سوري (تسلّمها الجيش اللبناني في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي). إلى جانب هذه القوى الفصائلية، برزت مجموعات سلفية متشددة مثل "عصبة الأنصار" و"جند الشام"، خصوصاً في مخيم عين الحلوة، وهي تُعد من بين الأشد تطرفاً والأكثر تعقيداً في التعامل الأمني.

ويوجد 12 مخيماً فلسطينياً رسمياً يعيش فيها نحو 110 آلاف لاجئ فلسطيني، وفق إحصاء الجامعة الأميركية في عام 2015. معظمهم من اللاجئين الذين هجّرتهم النكبة من قرى الجليل ومدن الساحل الفلسطيني، وقد حُرموا حقوقهم المدنية، ومُنعوا من العمل في أكثر من 30 مهنة.