وائل نجم كاتب و باحث

 يبدو أن الأمور تسير في بعض الملفات بطريقة سلسة ومقبولة ومن دون ضوضاء وضجيج، ومن خلافات كبيرة وعميقة، على غير المعتاد في السابق. ففي ملف التعيينات العسكرية والأمنية والإدارية رأينا كيف جرى الاتفاق على الملف، وعلى الشخصيات التي ستملأ المواقع العسكرية والأمنية، حتى قبل انعقاد مجلس الوزراء، فيما كانت الخلافات وتضارب المصالح في السابق يوصل الأمور إلى حدود الفتنة والفوضى أحياناً. وكلنا يذكر كيف جرى التمديد لبعض الشخصيات في مناصبها، وأكثر من مرة بالنظر إلى عدم اتفاق الاطراف على ملف التعيينات. فما الذي حصل هذه المرّة حتى يُنجَز هذا الملف بهذه الانسيابية ومن دون ضوضاء أو ضجيج؟ البعض يقول ويبشّر بأن زمن الترويكا عاد بطريقة أخرى، فالمحاصصة وتوزيع المغانم والرضا بالحصص وتقاسم النفوذ في مواقع الدولة هو الذي سهّل عملية ولادة التعيينات، وليس أي شيء آخر، وهو أمر لا يبشّر بكثير خير، إذ إن أي موقع سيظل أسيراً للطرف السياسي الذي أمّن له الغطاء في عملية وصوله إلى سدة المسؤولية التي بات فيها، من دون الانتقاص طبعاً من مؤهلات وكفاءة أية شخصية في موقعها. ولكن الحقيقة أن هذه المحاصصة وهذا التوزيع والمكافآت التي تجري على السياسيين من حصص الدولة، هي الفساد بعينه الذي يجري الحديث عن محاربته ووضع حد له. وهنا يسأل أصحاب الكفاءات ممن «لا ظهر» لهم (سياسياً): ما هو ذنبهم؟ وما هي مشكلتهم؟ هل هي الاخلاص للوطن وعدم الارتهان إلا للقسم الذي أقسموه؟ أم ماذا؟
وبالعودة إلى الحديث عن الانجازات (الصفقات والمحاصصات) فإنه يجري الحديث عن اتفاق على إقرار الموازنة العامة المقترحة لعام 2017، في ظل تهرّب واضح للحكومة من استحقاق «سلسلة الرتب والرواتب»، وقد لاحظنا كيف تنصّلت الحكومة من هذا الاستحقاق وقذفت به إلى حضن المجلس النيابي، وإلى اللجان النيابية المشتركة، والجميع يعرف أن هذا المجلس يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولم يعد من عمره سوى أشهر معدودة، وبالتالي فإن الوقت لن يسعفه لمناقشة السلسلة بشكل كامل وكافٍ، ومن ثم إقرارها في اللجان النيابية المشتركة، وبعد ذلك الذهاب بها إلى الهيئة العامة لإقرارها، فيما لا تلتئم هذه الهيئة لمناقشة قانون الانتخاب وإقراره، وكل ذلك إذا اعتبرنا أن اللجان ستقوم بدورها في نقاش السلسلة وإقرارها، وقد رأينا ولاحظنا كيف تهربت اللجان من النقاش عندما فقدت الجلسة نصابها يوم الثلاثاء، وهو ما يؤكد عدم الجدّية في نقاش هذه السلسلة، وبالتالي تمييع الوقت وإضاعته حتى لا تُقَرَّ هذه السلسلة، أو في حال إقرارها فبعد تفريغها من مضمونها. ويجب أن لا يغيب عن بالنا أن الحكومة هي صورة مصغرة عن المجلس النيابي، والعكس صحيح، وبالتالي إن تهرّب الحكومة من مسؤوليتها حيال السلسلة عبر قذفها إلى المجلس يأتي في سياق الإجهاز عليها، وربما يأتي في سياق  منطق المحاصصة القائم بين القوى السياسية التي تختلف عند المغانم ولكنها تتفق على الناس حتى لا تفسد الود بينها.
إن الحديث عن إفشال إقرار السلسلة من خلال هذه العملية المسرحية المكشوفة، يعطي انبطاعاً بأن منطق المحاصصة السائد كفيل بتمرير موازنة عامة لعام 2017 تكون كفيلة بحفظ مكتسبات القوى السياسية ولا تلحظ إلا قليلاً مصالح الناس، وإن كان حديث القوى السياسية يتركز في معظمه على رفض الضرائب على الشرائح الفقيرة، ولكنه لا يقرّ مشروعاً حقيقياً لمحاربة الفساد الحقيقي ويفتح باباً جدّياً للإصلاح الفعلي.
هل تكون هذه الانجازات الصفقات، وهذه الاتفاقات المرئية وغير المرئية مقدمة وبوابة للاتفاق على قانون انتخاب جديد؟
بالطبع فإن إمكانية التوصل إلى حلول صفقات في ملف تفتح إمكانية التوصل إلى حلول صفقات في ملفات أخرى، وكلما أمكن التوصل إلى حل مشكلة في ملف يفتح لنا ذلك الامكانية لحل مشكلة في ملف آخر، وهكذا فإن التوصل إلى انجاز صفقة في التعيينات، أو إلى اتفاق صفقة في الموازنة يفتح إمكانية التوصل إلى اتفاق صفقة في ملف قانون الانتخاب، ولكن هذا كله يكون لحساب القوى الحاكمة وليس لحساب الشعب المسكين.
اليوم المهل القانونية في ملف قانون الانتخاب باتت ضيقة جداً، ورئيس الجمهورية لم يوقّع لغاية الآن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، والحديث يجري بين الجميع على قانون انتخاب يؤمّن مصالح الكل، تحت عنوان مصالح الوطن، في عملية اختصار للمكوّنات الوطنية في شخصية معيّنة أو حزب معيّن أو فئة معيّنة، وأغلب الظن أن هذه القوى السياسية التي أحسنت منطق المحاصصة، وتعرّفت إليه من جديد في ما يشبه «الترويكا» التي كانت قائمة في تسعينات القرن العشرين، ستتفق على قانون انتخاب يؤمّن مصالحها ولا يلغيها، بل يلغي الشعب الذي تتحدث باسمه وتتاجر بمصالحه على الدوام.