بقلم: وائل نجم

قرابة أسبوعين وتفتح أقلام الاقتراع أبوابها للناخبين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية التي تجري هذه المرة خلافاً للمرات السابقة وفقاً لقانون هجين يجمع بين النسبية والأكثرية. النسبية في ما يتصل بتمثيل اللوائح التي جمعت طيفاً من القوى السياسية والمستقلين، والأكثرية في ما يتصل بتمثيل اللائحة بعد فوزها بمقعد نيابي أو أكثر، وقد عُبِّر عن هذا الاختيار بما سُمِّي الصوت التفضيلي.
هذا القانون الجديد سيخلط هذه المرة الأمور، بل خلطها، بشكل كامل. فالمتحالفون في لائحة واحدة «يقاتلون» معاً من أجل تأمين العتبة التمثيلية للائحة، بمعنى تأمين مقعد أو أكثر للائحة التي ينضوون في إطارها، ومن ثم تبدأ عملية «قتال» أخرى في ما بينهم ليكون المقعد الذي كسبته اللائحة من نصيب كل واحد منهم، وهو «قتال» على الصوت التفضيلي بينهم.
إذاً، هي معركة لوائح أولاً، ومن ثم، أو ربما بالتوازي، هي معركة أفراد ضمن اللائحة الواحدة. لذلك نرى أن المرشحين يعملون في كل الدوائر كلٌ على حدة. كل مرشح له ماكينته الانتخابية، وله جمهوره، وله منطقته التي يعمل فيها، ولا يلتفت إلى المنطقة الأخرى التي تكون جزءاً من دائرته الانتخابية. ومن هنا نجد أنه إلى جانب المعارك بين اللوائح، هناك المعارك بين المرشحين المتواصلة في كل المناطق، التي يتسابق فيها أعضاء اللائحة الواحدة على كسب أصوات الناخبين، ولا سيما في المناطق الرمادية التي لا يُظهِر فيها الناخبون أي ولاء لأية جهة سياسية، ويتمتعون بشيء من الحيادية أو الاستقلالية، فنرى أن المرشحين يتسابقون لخطب ود هؤلاء الناخبين، وهذا ينطبق أيضاً على القوى السياسية التي لم ترشّح في بعض الدوائر، ولها حضور فاعل فيها، نجد أيضاً ان المرشحين من اللائحة الواحدة يتسابقون إلى هذه القوة السياسية يخطبون ودّها ويريدون كسب أصواتها مقدمين التعهدات ومغدقين الوعود.
على هذا الأساس يواصل المرشحون جميعاً تقريباً معركتهم الانتخابية، محاولين كسب الصوت التفضيلي إليهم على حساب زملائهم في اللائحة، وهي حالة وإن كان فيها شيء من التقدير لأصوات الناخبين، خلافاً للمرات السابقة حيث كانت الأهمية تعطى وتمنح للمرجعيات السياسية التي كانت تشكّل «محادل» غير مكترثة لأصوات الناس وهمومها في ظل القانون الأكثري، وكان المرشحون يسعون إلى كسب ود تلك المرجعيات بعيداً عن الناس، فإن القانون اليوم في ظل الصوت التفضيلي أجبر المرشحين على التواصل المباشر مع الناخبين، متجاوزين بذلك تلك المرجعيات، ولعلّ ذلك علامة فارقة في هذا القانون أعطى للناخبين حيثية مباشرة ومهمّة. إلا أن الشيء السلبي في هذا القانون، أن عنصر المال المستخدم لكسب الصوت التفضيلي، والذي بات يتكشف شيئاً فشيئاً بدأ يفسد أخلاقيات كانت سائدة، على الرغم من كل السلبيات التي كانت تكتنف القوانين والتجارب السابقة. فاليوم يجري الحديث علناً بواسطة «العرض والطلب» في مسألة شراء الأصوات الانتخابية وبيعها، والحديث يجري في كل البلد عن رشوة انتخابية في معظم الدوائر، وأخطر ما في هذه المسألة أنها تضرب وتنسف القيم التي قامت عليها مجتمعاتنا سابقاً، وتقدّم مكانها المصلحة الضيقة والشخصية والمؤقتة، التي قد يعود المواطن الناخب ويدفع ثمنها أضعافاً مضاعفة، وهذه بالطبع ظاهرة غير صحية تجعل من الاستحقاقات الانتخابية والمجلس التمثيلية مستقبلاً حكراً على الذين يتمتعون بثروات كبيرة وهائلة، وهؤلاء غالباً ما يكونون أميل إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، وأقدر على الإمساك بالبلد، والإضرار بالمواطن. لذا، فإن معركة الصوت التفضيلي التي تدور بين المرشحين اليوم هي فرصة حقيقية للناخبين لمنح أصواتهم وثقتهم لمن يجدون فيه فرصة حقيقة للتغيير نحو الأفضل لإنقاذ البلد مما يعانيه من فساد.
على جانب آخر تجري معركة من نوع آخر بين اللوائح الانتخابية قبل فتح صناديق الاقتراع، على الرغم من إقفال اللوائح. هدف المعركة هذه معركة إقناع بعض المرشحين في اللوائح المنافسة بالعزوف عن الاستمرار بالمعركة الانتخابية، وسحب ترشيحهم من المعركة (بعيداً عن المعطى القانوني) عبر الإعلان على الملأ أنهم عزفوا عن الاستمرار، وبالتالي تجيير أصوات ناخبيهم إلى لوائح أخرى، وإلى مرشحين آخرين في موضوع الصوت التفضيلي، وهذه بالمناسبة معركة ستظل مستمرة ومتواصلة إلى لحظة إقفال صناديق الاقتراع، ويُمارَس في هذه المعركة أنواع من الترغيب والترهيب. الترغيب من خلال الإغداق المالي والوعود، والترهيب من خلال الممارسات التي يمكن أن تجري بحق مناصري تلك اللوائح، أو حتى المرشحين فيها، وهناك العديد من الاشكالات التي حصلت في بيروت وفي الشمال والجنوب والبقاع وتندرج في هذا الإطار. هي إذاً محاولات لحصر التنافس الانتخابي بهدف زيادة الحاصل الانتخابي للائحة من اللوائح، أو بهدف قطع الطريق على تمثيل لوائح أخرى.
المهم في كل هذا المشهد الانتخابي الذي يزداد حماوة يوماً بعد يوم أن يكون هذا الاستحقاق فرصة للناخبين لتشكيل بداية للخروج من أتون هذا النفق المظلم، وإلا فإن الجميع قد يصحون صباح السابع من أيار على مشهد قد يكون أكثر مأساوية من المشهد لذي نعيشه من سنوات.}