وائل نجم -كاتب وباحث

 يوم الاربعاء الماضي كان من المفترض أن تنعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وهي بالمناسبة الدعوة رقم خمس وأربعين لجلسات الانتخاب، والكثير كان يعوّل على هذه الجلسة باعتبار أن الرئيس سعد الحريري ومن خلفه كتلة تيار المستقبل ستغيّر رأيها وموقفها من ترشيح النائب سليمان فرنجية، وستتجه إلى انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية في هذه الجلسة، إلا أن الكتلة دحضت الشك باليقين بعد اجتماعها الاسبوعي في بيت الوسط برئاسة سعد الحريري وحضور كل اعضاء الكتلة، وأعلنت صراحة أن رئيسها ما زال في طور الاستشارات لبلورة موقف من المستجدات على صعيد الاستحقاق الرئاسي، خاصة في ظل الفراغ وانهيار مؤسسات الدولة، والتعطيل والشلل الذي يضرب كل شيء. إلا أن الكتلة أكدت أيضاً أنها لم تصل بعد إلى اي قرار بخصوص سحب دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية، ولا تسجيل دعم ترشيح النائب مشال عون، ولا أي خيار ثالث دونهما. وبذلك كان مصير جلسة الاربعاء مشابهاً لمصير الجلسات الأخرى التي لم يكتمل فيها النصاب، إلا أن الحديث عن مواقف جديدة فتح باب الأمل على إمكانية التوصل إلى صيغ، أو ربما موقف جديد يحرك المياه الراكدة، إن لم نقل ينهي الأزمة المستفحلة. ولكن ذلك يطرح سؤالاً جدّياً على ضفتي الاصطفاف السياسي عن موقف حلفاء الحلفاء، سواء بالنسبة إلى النائب ميشال عون أو لحزب لله، أو حتى بالنسبة إلى تيار المستقبل!!
ربما كانت فكرة انتخاب النائب ميشال عون قد راودت الرئيس سعد الحريري والمحيطين به، خاصة من أولئك الذين لم يكن لهم دور في المرحلة السابقة، ولا في المرحلة الحالية، وهؤلاء يهمّهم أن يشكلوا قناعة عند الرئيس الحريري بالذهاب في خيار انتخاب عون أو حتى غيره، علّ ذلك يفتح باباً أمامهم للعودة إلى الحياة السياسية اليومية. كذلك إن الرئيس الحريري الذي يشهد تياره حالة نزف يومي منذ عدة سنوات، نظراً إلى بعده عن هذا التيار من جهة، ولغيابه عن السلطة من جهة أخرى، يفكّر جدّياً أيضاً في انتخاب عون رئيساً إذا كانت المسألة على قاعدة الإتيان بالرئيس الحريري إلى سدة الرئاسة الثالثة، بمعنى آخر من ضمن تفاهم يقضي بأن يكون عون رئيساً للجمهورية، والحريري رئيساً للحكومة؛ ولكن ذلك يقتضي تفاهمات مفتوحة مع أكثر من طرف سياسي في البلد، لا مع التيار الوطني الحر وحده.
المعروف أن كتلة الرئيس الحريري إذا اعتبرنا أنها كلها ستنتخب عون، تكون قادرة مع تكتل التغيير والاصلاح، ومع كتلة القوات اللبنانية، ومع كتلة حزب الله.. أن تأتي بعون رئيساً للجمهورية، فهذه الكتل مجتمعة تملك نصاباً قانونياً لجلسة الانتخاب، ولفوز أي مرشح، ولكن مسألة تسمية وتكليف رئيس الحكومة بتشكيل حكومة جديدة، تحتاج وفق الآليات الدستورية المعتمدة (الاستشارات الملزمة)، إلى أصوات الكتل النيابية حتى يكون رئيس الحكومة مرتاحاً في عمله، وهنا تبدأ أزمة جديدة من نوع آخر، إذ إن الكتل النيابية التي تعلن دعم عون لا تلتزم إلى الآن تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، وبالتالي إن أي طرح معها من هذا القبيل يحتاج إلى حوار، و إلى دفع أثمان لا نعرفها، قد تكون مختلفة عن بعضها، بل ربما متعارضة، كما في حالتي القوات اللبنانية وحزب الله؛ فالقوات تريد سلاح الدولة فقط، في حين أن حزب الله يريد الاحتفاظ بسلاحه، فضلاً عن قانون الانتخاب، وقضايا أخرى عديدة، فماذا بالنسبة إلى الكتل الأخرى التي لا ترغب به رئيساً، وهي وازنة ومؤثرة، وهي ما يصحّ تسميتها حلفاء الحلفاء؟
أول أولئك الحلفاء هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يرأس كتلة التحرير والتنمية، وهي كتلة توازي في حجمها كتلة حزب الله، فضلاً عن موقع بري في رئاسة المجلس النيابي، وهو الذي يملك الكثير من مفاتيح اللعبة والأزمة، ومعروف أن بري لا يخفي رفضه انتخاب عون رئيساً لاعتبارات كثيرة، وهو يفضل النائب سليمان فرنجية، وقد جاهر بذلك مراراً، وبالتالي إن ذهاب الحريري لانتخاب عون يحتاج إلى تفاهم مع بري من أجل ضمان حصوله على رئاسة الحكومة، وهنا لا بدّ من أثمان يجب أن يدفعها، لعلّ أبرزها في قانون الانتخاب فضلاً عن الحكومة المقبلة، وهنا نلاحظ أن بري يردد دائماً أن الحل يجب أن يكون عبر سلة كاملة تشمل الحكومة وقانون الانتخاب وغيرها، ويكون انتخاب رئيس الجمهورية المفتاح فيها.
وإذا ذهبنا إلى حليف آخر هو النائب وليد جنبلاط، فإنه لا يستسيغ وجود عون في رئاسة الجمهورية، ويفضل النائب فرنجية، وهو أيضاً يتزعّم كتلة وازنة فضلاً عن موقع لا يقلّ اهمية عن برّي، خاصة من خلال تموضعه الوسطي، وبالتالي يحتاج الحريري أيضاً إلى تفاهم مع جنبلاط على المرحلة التي تلي انتخاب عون رئيساً حتى يضمن مجيئه إلى سدة الرئاسة الثالثة.
وفي مكان ما هناك حزب الكتائب، وهو حليف للرئيس سعد الحريري ولكن في موضوع الرئاسة له وجهة نظر خاصة، وبالتالي يحتاج الحريري أيضاً إلى مسايرة الكتائب لأنها حليف كان وما زال له دوره وتأثيره.
وإذا ما ذهبنا إلى الكتل الأخرى، فإننا سنجد أن هناك الكثير من النواب لا يستسيغون انتخاب عون، حتى داخل كتلة المستقبل ذاتها، وكل ذلك سيجعل الاثمان التي ستدفع من أجل تسوية تشمل انتخاب الرئيس وضمانة عودة الحريري إلى سدة الرئاسة الثالثة مكلفاً وباهظاً.
وعلى هذه القاعدة يمكن القول إن البحث في الذهاب إلى خيار تبديل المواقف يحتاج إلى المزيد من البحث في مآلات الأمور، حتى لا تكون خطوة في غير محلها أو دعسة ناقصة في وقت غير مناسب. وأما الحديث عن «فزّاعة الفراغ», فإن ذلك يحتاج أيضاً إلى بحث جدّي وعميق في مآلات هذه الخطوة.