وائل نجم كاتب و باحث


 أقل من شهر هي المهلة الفاصلة عن دعوة الهيئات الناخبة للانتخابات النيابية وفقاً للقانون، ووزارة الداخلة ملزمة بأن تقوم بهذا الاجراء الروتيني قبل 21 شباط، وإلا اتُّهمت بالتقصير وعدم القيام بواجبها لجهة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وهو أمر لا يريد وزير الداخلية نهاد المشنوق، أن يسجله على نفسه، ولذلك كان واضحاً وصريحاً بأنه سيدعو الهيئات الناخبة قبل هذا التاريخ التزاماً بالقانون، خاصة أن هناك قانوناً موجوداً ونافذاً للانتخابات النيابية، وهو ما يعرف بـ«قانون الستين». وعلى هذا الأساس لا يمكن أحداً على الإطلاق أن يتذرّع بعدم إجراء الانتخابات، فالمهل الدستورية موجودة وضاغطة، ولا يمكن القفز فوقها وتجاوزها إلا بموجب قانون يصدر عن المجلس النيابي، وهو أمر متعذر بالنظر إلى المواقف التي تعلنها أغلبية القوى السياسية والكتل النيابية. 
في مقابل المهل الضاغطة التي تضيق يوماً بعد يوم، وتضع القوى السياسية في الزاوية، يعلن رئيس الجمهورية، ميشال عون، إصراره على رفض إجراء الانتخابات النيابية وفقاً للقانون النافذ، وأيضاً رفض التمديد للمجلس النيابي، ويجدد كل يوم أمام ضيوفه وزوّاره دعوة القوى السياسية والكتل النيابية إلى التوافق على قانون جديد أكثر حداثة وعصرية ويلبي طموحات اللبنانيين وتطلعاتهم، ولا يتمسك رئيس الجمهورية بأي صيغة محددة للقانون إذا كانت ترضي الجميع، وتؤمن صحة وعدالة التمثيل. 
وفي موازاة موقف رئيس الجمهورية يؤكد رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، أنه مع قانون انتخاب جديد ايضاً، ويرفض قانون الستين، ويدعو إلى اعتماد النظام المختلط، وقد تقدّمت كتلته باقتراح قانون يعتمد النظام المختلط بين النسبي والأكثري على أساس المناصفة. 
وفي موازاة هذين الموقفين، يصرّح رئيس الحكومة سعد الحريري بأنه ليس مع قانون الستين أيضاً، ولكنه مع قانون لا يعتمد النسبية الكاملة في ظل «هيمنة» السلاح، وقد تقدّمت كتله مع الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية باقتراح قانون إلى المجلس النيابي يعتمد النظام المختلط، ولكن على أساس أن تكون مقاعد الأكثري 68 مقعداً ومقاعد النسبي 60 مقعداً من أصل 128 مقعداً نيابياً. وهنا وقع الخلاف مع اقتراح الرئيس بري. 
التيار الوطني الحر يرفض قانون الستين أيضاً ويدعو إلى قانون من ثلاثة، إما النسبية المطلقة، وإما الدائرة الفردية، وإما النظام المختلط المعدل. بينما تصرّ «القوات اللبنانية» على رفض الستين، وعلى القانون الذي تقدّمت به مع «المستقبل» و«الاشتراكي»، فيما يطالب حزب الكتائب باعتماد الصوت الواحد أو الدائرة الفردية. 
وفي مقابل هذه الطروحات يطالب «حزب الله» باعتماد القانون النسبي المطلق، أو  النسبي مع الدوائر الكبرى (المحافظات)، وكذلك الجماعة الاسلامية. 
الوحيد الذي يجاهر بالإبقاء على قانون الستين، أو إدخال تعديلات عليه هو النائب وليد جنبلاط، علماً بأن حزبه قدّم بالاشتراك مع «القوات» و«المستقبل» اقتراح قانون يعتمد النظام المختلط، وقد سبق الحديث عنه. إلا أنّ جنبلاط يعتبر أن كل الاقتراحات الاخرى لا تحقق عدالة التمثيل وهي محل انتقاد تماماً كما هو حال قانون الستين. 
أمام هذا الواقع الذي تتضارب فيه المصالح السياسية بين الأطراف، التي حالت وتحول إلى الآن دون الاتفاق على قانون انتخاب جديد وحديث وعصري يلبي تطلعات اللبنانيين، وأمام ضغط المهل القانونية والدستورية، فإن قانون الستين يكرّس نفسه يوماً بعد يوم في معادلة الانتخابات النيابية، ويتأكد للجميع أن الانتخابات ستجري وفقاً لهذا القانون حتى من دون إحداث تعديلات، ولو طفيفة عليه، وإن جرت فإنها ستكون بسيطة حتى لا يقال إن العهد خضع منذ بداية أيامه إلى القانون النافذ ولم يفِ بوعهده بإنتاج قانون جديد. 
إضافة إلى هذه وتلك، يمكن القول إن السبب الذي كان يشكّل مادة خلافية بين القوى السياسية في ما يتصل بقانون الستين، وهو الانقسام العمودي الذي كان قائماً، ومحاولة كل طرف إيجاد قانون جديد من أجل الهيمنة على البلد، قد زال ولو جزئياً أو مرحلياً، وبات التموضع الجديد خارج إطار الثنائية التي كانت قائمة، وبالتالي القوى السياسية لم يعد يعنيها أن تتوصل إلى قانون انتخاب جديد، بل ربما تفضّل في سرّها الإبقاء على قانون الستين، ولكنها لا تجاهر بذلك، حتى لا يحسب عليها، وحتى تنطلي بقية اللعبة على اللبنانيين