وسام الحجار

انتهت في لبنان مسرحية انتخاب رئيس الجمهورية بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعد أكثر من سنتين ونصف من الشغور الرئاسي المتفق عليه محلياً، عربياً ودولياً.
انتخب ميشال عون فما الجديد؟ وما الذي تغير لبنانياً وإقليمياً ودولياً لكي يتم الافراج عن كرسيّ الرئاسة؟ بدايةً، كلنا يعلم ان لبنان هو عبارة عن مجموعة اثنيات وأعراق مجتمعة داخل حدود لا تتجاوز مساحتها 10452 كلم مربع، وأن هذه المجموعات والاثنيات الطائفية لا يمكنها أن تتخذ أي قرار دون الرجوع إلى مرجعياتها الخارجية، إقليمية أو الدولية، فالتبعية لدى السياسيين في لبنان تبعية فعلية وليست تبعية اسمية.
إذاً ما الذي جرى، وما الذي تغير، ولماذا هذا التعطيل إذا لم يتغير شيء داخلياً، عربياً أو دولياً..
فإذا نظرنا إلى الوضع الداخلي، نرى انه لا يزال مرتبكاً وغير مستقر، والأزمة الداخلية في لبنان في أعلى درجاتها، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية وأزمات اللجوء، وبإمكاننا ان نضيف اليهما الانقسام الداخلي الحاد الناتج من تداعيات الأزمة السورية وأزمات المنطقة، فالانقسام لا يزال على أشدّه ما بين أفرقاء هذا البلد الصغير، حتى في أتفه المواضيع، فما بالكم بالأمور الكبيرة والمفصلية.
وبنظرة أولية وسريعة نجد أن الرئيس العتيد لم يقدم أي تنازل للأفرقاء الآخرين المعارضين لوصوله إلى كرسي بعبدا، على العكس، شاهدنا التنازلات من جميع الفرقاء الآخرين.
فالرئيس نبيه بري لم يستطع أن يبتلع وجود رئيس ذي مرجعية شعبية قوية في بعبدا، فغمز  في خطاب التهنئة بعد انتخاب الرئيس من تحت قبة البرلمان مُرحباً بالرئيس الجديد قائلاً: «يسرني أن أرحب بكم تحت قبة البرلمان الذي أنت أحد أركان شرعيته»، مؤكداً شرعية البرلمان الذي شكك عون بشرعيته في وقت سابق، مدّعياً أن البرلمان اللبناني هو برلمان غير شرعي لا يحق له انتخاب رئيس للجمهورية، ما الذي تغيّر في هذا البرلمان يا فخامة الرئيس ليصبح برلماناً شرعياً لانتخاب فخامتكم، أم حلال عليكم وحرام على الآخرين؟!
ما الذي غير وبدل موقف الرئيس سعد الحريري الذي قدّم الكثير من التنازلات عندما تبنى ترشيح الوزير سليمان فرنجية، حليف النظام السوري الأول في لبنان والصديق الوفي لقصر الشعب في دمشق، ليقوم بكسر كل التوقعات ويكسر جليد العلاقات ويرشح العماد بعد ان كان ذلك سابقاً ضرباً من الجنون، وخيانة عظمى لدماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي اعتبره العماد عون في يوم من الأيام فقيد عائلة الحريري وليس شهيد لبنان.
ما الذي غيّر وبدّل في موقف حزب الله الذي لا يزال يستنزف شبابه وقيادته العسكرية يومياً في سوريا، ويصرّ على تحقيق أي انتصار في تلك المعركة التي هي ليست معركته. في المقابل نراه يغرق أكثر فأكثر في المستنقع السوري، لا لهدف أو غاية، إنما فقط تلبية لرغبات الولي الفقيه، لماذا غيّر توجهاته وهو الذي لم يعلن يوماً صراحةً عن مرشحه للرئاسة، بل كان مرشحه دائماً والوحيد هو الفراغ والمماطلة.
ما الذي غيّر وبدل في مواقف رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي كانت بينه وبين الرئيس العتيد دماء لم تجف الى يومنا الحاضر، افرزتها معارك حرب الإلغاء.. ما الذي دعا الحكيم للاعتذار إلى الشهداء وأهالي الشهداء الذين عضوا على جراحهم، متوجهاً لهم بالقول: «أهنئ كل أهالي الشهداء الذين تخطوا كل جراحاتهم في سبيل الوصول إلى هذا اليوم الكبير».
إذاً وبعد طول انتظار، ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، هذا الرئيس رقم 13 في تاريخ الجمهورية أمام تحدٍّ جديد وعهد جديد، فالرئيس العتيد أمام تحدٍّ جدّي وكبير، تحدي أن يكون رئيساً لكل لبنان وجميع اللبنانيين، هل سيستطيع أن يفرض هيبة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية؟ هل سيستطيع أن يوحد الشعب اللبناني خلف مرجعية وطنية واحدة؟ هل سيستطيع أن يعيد للحدود اللبنانية حرمتها ويلغي المربعات والمستطيلات الأمنية؟ هل باستطاعته أن يطلب من حزب الله وأتباعه العودة من سوريا إلى ربوع الوطن وترك سوريا للسوريين، هل بإمكانه تحقيق النأي بالنفس وبلبنان عن كل المحاور الدولية والإقليمية، وتبني مشروع الدولة في لبنان؟
كل هذه الأسئلة تنتظر إجابات، سنترك للأيام وللرئيس العتيد الإجابة عنها، والأيام ستثبت صحة هذا الخيار أو سنترحم على أيام الفراغ الرئاسي.
ننتظر وينتظرون، وإن غداً لناظره قريب...