العدد 1644 /25-12-2024
بسام غنوم

شكلت زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى سوريا على رأس وفد درزي رفيع المستوى ، حيث التقى زعيم سوريا الجديد أحمد الشرع حدثا سياسيا هاما .

أولا لأنها الزيارة الأولى لمسؤول سياسي لبناني كبير الى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد ، وثانيا لطبيعة هذه الزيارة وخصوصيتها المذهبية والسياسية على الصعيدين اللبناني والسوري ، وثالثا وهو الأهم دلالاتها السياسية على الصعيد اللبناني الداخلي المقبل على متغيرات واستحقاقات سياسية كبيرة في قادم الأيام لعل أبرزها إنتخابات رئاسة الجمهورية التي يدور حولها خلاف شديد بين مختلف القوى السياسية اللبنانية منذ إنتهاء فترة رئاسة ميشال عون في 31- 10 – 2022.

في الشكل يمكن اعتبار زيارة جنبلاط الى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد بمثابة رد اعتبار للدروز ولرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد اغتيال والده كمال جنبلاط على يد عناصر المخابرات السورية في 16 3-1977 ، ومنذ ذلك التاريخ لم ينس وليد جنبلاط ولا الطائفة الدرزية في لبنان ما جرى لكمال جنبلاط بعد اختلافه مع حافظ الأسد ورفضه ان يكون جزأ من السجن العربي الكبير كما قال وليد جنبلاط ، لذلك أراد جنبلاط توجيه رسالة للدروز في سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة عبر لقائه مع رئيس الادارة السياسية في سوريا أحمد الشرع فقال بعد اللقاء: "إنني قادم إلى سوريا كلها وليس فقط إلى السويداء. كان اللقاء ممتازاً، وفَتَحنا صفحة جديدة بين الشعبين".

أما في المضمون فإن لقاء جنبلاط مع أحمد الشرع كانت له دلالات سياسية عدة أولها أن سوريا الأسد التي كان يستقوي بها فريق من اللبنانيين على باقي الطوائف اللبنانية اصبحت من الماضي ، وأن سوريا الجديدة هي لكل اللبنانيين بعيدا عن طوائفهم ومذاهبهم ، وهذا الموقف عبر عنه القائد أحمد الشرع بالقول : إن "لبنان بحاجة إلى اقتصاد قويّ وإلى استقرار سياسيّ وسوريا ستكون سنداً له وأرجو أنّ تُمحى الذاكرة السوريّة السابقة من أذهن اللبنانيين"، مشيرا الى ان "المكون الشيعي جزء من البيئة اللبنانية وهناك صفحة جديدة مع كل مكونات لبنان بغض النظر عن المواقف السابقة".

أما الدلالة الثانية لزيارة جنبلاط الى دمشق فهي إلى القوى السياسية اللبنانية كافة والتي مازالت إلى الآن تدور حول نفسها فيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي ، وهذه الرسالة هي أن المنطقة والعالم دخلت في مرحلة سياسية جديدة ، ومن الأفضل للبنان واللبنانيين أن يستفيدوا من ما جرى في سوريا لبناء نظام سياسي لبناني على أسس سليمة بعيدا عن كل ما كان يجري طوال السنوات السابقة ، والذي أدى الى خراب لبنان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، اضافة الى عزلته السياسية التي انعكست على حياة اللبنانيين وجعلت من لبنان دولة فاشلة حسب التصنيفات الدولية.

أما الدلالة الثالثة فهي ان لبنان بعد انتهاء حكم آل الأسد في سوريا دخل في مرحلة ما بعد حكم سوريا الأسد ، وعنوان هذه المرحلة ما عبر عنه القائد الجديد لسوريا أحمد الشرع بالقول خلال لقائه النائب السابق وليد جنبلاط والوفد المرافق له أن "سوريا كانت مصدر قلق وإزعاج وكان تدخلها في الشأن اللبناني سلبياً، والنظام السوري قتل كمال جنبلاط وبشير الجميّل ورفيق الحريري"، مشيرا الى ان "سوريا القادمة في العهد الجديد تقف على مسافة واحدة من الجميع في لبنان ولن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق".

فهل تستغل القوى السياسية اللبنانية هذا المتغير الاستراتيجي الذي حدث في سوريا من أجل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة ، وبناء دولة لبنانية يحكمها العدل والقانون ، وتختفي كل المظاهر السلبية التي كان يعيشها لبنان طوال أكثر من 50 سنة من حكم البعث في سوريا ؟ نأمل ذلك.

بسام غنوم