العدد 1644 /25-12-2024
حسان قطب

 

المسألة الكردية، في سوريا كما في غيرها من دول المنطقة، ليست مسألة انفصال او انتفاض، وليست قضية خروج على دول المنطقة والالتجاء الى الدول الكبرى وخدمة اهداف عدوانية..بل هي قضية شعب له هوية وحضارة وثقافة وتاريخ وانتماء، وكذلك له دور في نهوض المنطقة وحمايتها من الغزوات والاحتلالات طوال قرون..

القضية الكردية برزت مع مطلع القرن العشرين، مع اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت شعوب المنطقة، الى دول وكيانات ورسمت حدود جغرافية، وفرزت الشعوب الى اكثريات واقليات، وديانات ومذاهب، وقوميات وعرقيات...

وتم تقسيم جغرافية المكون الكردي، او ما يعرف بجبال كردستان ما بين تركيا وايران، كما بين العراق وسوريا.. وبالتالي اصبح الاكراد اقليات في دول المنطقة التي بدات بتصعيد وتركيز وترسيخ المفاهيم القومية، وتعزيز الثقافة القومية على حساب الانتماء الوطني والمفاهيم الوطنية المستحدثة مع التقسيمات الجديدة..

ازمة الكرد في هذه الدول متشابهة من حيث الشكل والممارسات وحدود الدور والفعالية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية..

وبما ان التغيير بما رسمه اتفاق سايكس بيكون غير مقبول دولياً منذ اعلانه وحتى الان..لذلك فإن الصراع المسلح لن يثمر انتصاراً ولا تعديلاً بل قد يعمق الصراع ويزيد من حدة المعاناة.. وعلى سبيل المثال:

نلقي الضوء على ما جرى في ايران إذ ....(في الثاني والعشرين من كانون الثاني/يناير من عام 1946، وفي احتفال كبير وأمام حشد من الأكراد والعديد من رؤساء العشائر ورجال الدين أعلن القاضي محمد في ساحة (جوار جرا- المشاعل الأربعة-) في مهاباد عن تأسيس جمهورية مهاباد الكردية رفع العلم الكردي لأول مرة، وانتخب ممثلو  جميع الطوائف والعشائر القاضي محمد ليصبح رئيس جمهورية مهاباد. الا ان جمهورية مهاباد لم تدم إلا أحد عشر شهراً)...

استفتاء اكراد العراق..

(بحسب ويكيبيديا)..."كان الاستفتاء على استقلال كردستان العراق قد عقد في يوم 25 سبتمبر/أيلول 2017، مع إظهار النتائج التمهيدية إدلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 92%، لصالح الاستقلال ونسبة مشاركة بلغت 72%. وصرحت حكومة إقليم كردستان بأن الاستفتاء سيكون ملزم، لأنه سيؤدي إلى بدء بناء الدولة وبداية للمفاوضات مع العراق بدلا من إعلان الاستقلال الفوري. ولقد رفضت حكومة العراق الاتحادية شرعية الاستفتاء."..

 

خلص الاستفتاء الى نتيجة تفيد بمعارضة دولية للاستقلال، اضافة الى دول المنطقة المعنية بالملف الكردي، وانتهى الموضوع باستقالة مسعود البرازاني وخروجه من قيادة الاقليم الكردي في شمال العراق الذي لا زال يحظى بحكم ذاتي فقط...

بالعودة الى الشأن الكردي في سوريا..

عدد اكراد سوريا وتنوعهم...

بحسب (ويكيبيديا).."كرد سوريا هم أكبر أقلية عرقية في سوريا حيث يشكلون من 9% إلى 10% من سكان البلاد ومعظمهم من المسلمين السنة، وبعضهم من اليزيديين إضافة إلى عدد قليل من المسيحيين والعلويين الكرد"... اي عدد الاكراد في سوريا يتجاوز المليونين..

عاني اكرد سوريا وعلى امتداد عقود من حكم الطغمة الفاسدة في سوريا، من التهميش والتغييب، الثقافي والسياسي والحرمان من المشاركة في الحياة الوطنية.. حتى الجنسية السورية حرم منها الكثير من المواطنين الاكراد.. في تقرير أصدرته في عام 2005، قالت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال) إنه نتيجة للتزايد الطبيعي للسكان أصبح عدد المحرومين من الجنسية السورية من الأكراد في ذلك العام يتراوح ما بين 200 و360 ألف شخص. وتقول مصادر كردية إن الحكومات السورية المتعاقبة قامت بتغيير أسماء عدد من القرى الكردية وأطلقت عليها أسماء عربية "بهدف إزالة ما يشير إلى هويتها الكردية". ورغم اعتراف المسؤولين السوريين في السابق، وعلى أعلى المستويات، بوجود مشكلة المجردين من الجنسية، إلا أن السلطات لم تتخذ أية خطوات في سبيل معالجتها. وفي عام 2004، قُتل العديد من الأكراد خلال اشتباكات جرت بين قوات الأمن وعدد من الأكراد أثناء إحيائهم ذكرى ضحايا مذبحة حلبجة في كردستان العراق.

مع انطلاق الثورة السورية في شهر آذار/مارس من عام 2011، وخوفاً من التحاق الاكراد بالثورة السورية اصدر  مطلع نيسان/ابريل، من عام 2011، الرئيس السوري، المخلوع بشار الأسد، قراراً بتشكيل لجنة لحل مشكلة ما بات يُعرف بـ "الأكراد الأجانب" في سورية، أو "الأكراد السوريين"، وكان أول مسعى رسمي لمعالجة أحد أبرز مطالب الأقلية الكردية، وهو إعادة الجنسية السورية لأفرادها بعد أن حُرموا منها بموجب إحصاء عام 1962.

لن نستغرق في تفاصيل المعاناة الكردية..لانها واضحة بشكلٍ لا يقبل الجدال والنقاش.. ولكن علينا البحث عن حل واقعي وموضوعي.. لمشكلة الاكراد في دول المنطقة وفي سوريا خاصة والذي يقوم على التالي:

-          احترام المكون الكردي ثقافياً وحضارياً وتاريخياً ولغوياً

-          الاعتراف بحقه في العيش بحرية وكرامة ومساواة مع باقي المكونات الاخرى

-          حقه في تاليف احزاب وجمعيات والاحتفال بمناسباته الثقافية والتاريخية

-          الاضاءة على دور الاكراد الايجابي في صناعة تاريخ واحداث المنطقة والاقليم

-          ضرورة انخراط الاكراد في الحياة السياسية العامة دون عوائق والحق في تبوأ من يستحق اي منصب حكومي او اداري

-          تعزيز روح الانتماء الوطني واحترام التعددية ووبالتالي ثقافة وحضارة مختلف المكونات الوطنية سواء دينية، عرقية او اثنية

-          الانماء المتوازن على قاعدة التنمية الوطنية الشاملة مما يطفيء روح الانقسام والعبث في الاستقرار الداخلي

-          العدالة والمساواة تحت سقف القانون بين مختلف المكونات الوطنية يمنع بل يقطع الطريق على اي تدخل خارجي

الخلاصة

ان تجرية الحياة الصعبة والقاسية والتهميش الخطير الذي عاشه اكراد سوريا طوال الفترة الماضية اي ما قبل الثورة، وانتصارها، يجعل من عامل الخوف لاعباً اساسياً في تعزيز الرغبة في ابقاء التنظيم المسلح (قسد) حاضراً على الساحة السورية، تماماً كما في العراق حيث تتواجد (قوات البيشمركة).. لذلك يجب تفهم هذه المخاوف، والتطمينات لا تكون بمجرد اصدار بيانات ومواقف بل باجراءات تتضمن تعديلات قانونية لترسيخ المفاهيم الوطنية والاحترام المتبادل والتساوي في الحقوق والواجبات..

 وفوق كل هذا فإن المواجهات المسلحة والصراع الدموي اذا ما استمر لن يؤدي الا الى مزيد من الانقسام والتباين والفرقة وزرع العداء لاجيال قادمة وهذا ما يجب ان يحصل ولا نتمناه.. واذا ما نجحت تجربة التسوية في سوريا فإنها سوف تشكل حافزاً لكل دول الاقليم للقول بان الرغبة في الانفصال غير موجودة  ولكن احترام المكون الكردي تحت سقف القانون والمواطنية هو الحل..وبالتالي فإن حل المسألة الكردية في سوريا يضمن استقرار سوريا ودول المنطقة..

حسان القطب