وائل نجم - كاتب وباحث

 بعد قرابة ستة أسابيع على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة العهد الأولى، وبعد جولات وجولات من النقاشات والاتصالات والمشاورات الكثيفة وغير الكثيفة، توصّل الرئيس الحريري بالتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى تشكيلة حكومية أعلنها مساء الاحد الماضي بطريقة مفاجئة، إذ إن كل التوقعات التي سبقتها مجموعة تصريحات كانت توحي أن التشكيلة ستتأخر إلى ما بعد الأعياد، وأن الرئيس الحريري سيغادر إلى باريس أو إلى الرياض لقضاء هذه الفترة من الراحة أو التريث. ولكن بصورة مفاجئة، أعلن زيارته لقصر بعبدا، وقد استُدعي الصحفيون على عجل، ومن هناك وبعد حضور رئيس المجلس النيابي نبيه بري كما تقضي الاعراف والدستور، أعلن تشكيلته الحكومية من ثلاثين وزيراً خلافاً لما كان متوقعاً، أو بالأحرى لما كان قد قاله مراراً وأكده، وهو أن الحكومة ستكون من أربعة وعشرين وزيراً، وبذلك أسدل الرئيس الحريري، ورئيس الجمهورية ميشال عون الستارة على ملف الحكومة، إذ إن بيانها الوزاري لن يكون عقبة كأداء أمام نيلها الثقة في المجلس النيابي، إذ إن الكتل النيابية التي يمكن أن تمنح أو تحجب الثقة عن الحكومة وتحاسبها هي موجودة في داخلها من خلال نظام المحاصصة الذي اعتمد عند التشكيل.
لقد أعلن الرئيس الحريري أن هذه الحكومة هي حكومة وحدة وطنية، وبالطبع للكلمة معنى قد لا ينصرف بشكل كامل في هذه الحكومة، كذلك أعلن أن من أهم وظائفها إجراء الانتخابات النيابية في وقتها (أي أول الصيف المقبل)  ووفق قانون جديد، وهنا أيضاً قد يكون في الكلام نوع من المجازفة والمبالغة، ولكن يبقى المهم في التشكيلة الحكومية التي منحت صفة الوحدة الوطنية.
في نظرة سريعة إلى تشكيلة الحكومة نرى أنها غيّبت بعض القوى السياسية والحزبية عنها إما بالتهميش، وإما بمنحها تمثيلاً غير وازن على طريقة الإحراج للإخراج، وهذا ما يمكن القول إنه سحب صفة «الوحدة الوطنية» عن هذه الحكومة، إذ إن الوحدة الوطنية تقتضي تمثيل كافة المكوّنات السياسية في الحكومة، خاصة إذا كان ذلك متاحاً ومتوفراً.
وهنا نأتي إلى الساحة الاسلامية وتمثيلها في الحكومة الجديدة، إذ نرى في هذه الحكومة أن «تيار المستقبل» احتكر تمثيل المسلمين السنّة في الحكومة، مع أن كل المؤشرات وحتى الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت قبل بضعة أشهر أظهرت تراجع تمثيل «المستقبل» في الساحة الإسلامية، وقد كان من الممكن أن تتاح الفرصة لتمثيل هذه الساحة في الحكومة من خلال بعض الوزراء والوزارات، وخاصة تلك التي تمتلك حضوراً شعبياً وخدمياً في معظم المناطق اللبنانية، وهنا نتحدث بشكل واضح وصريح عن التيارات الإسلامية ممثلة بالجماعة الإسلامية، وعن الرئيس ميقاتي، وربما شخصيات وازنة أخرى، إلا أن الرئيس الحريري فضّل أن يبقى تمثيل الساحة الإسلامية حكراً على «المستقبل»، وهذا بالطبع ليس فيه مصلحة الساحة الإسلامية، ولا للمستقبل ذاته، إذ إن الحريري في هذه الحكومة التي لا يملك فيها الاكثرية يحتاج إلى ساحته كي تقف معه في مواجهة التحديات التي تعصف بلبنان والمشروع الوطني الذي يريد بناء مؤسسات الدولة، كما يريد النهوض بها، ولكن في هذه الحالة من الاحتكار لن يجد «المستقبل» ولا الرئيس الحريري إلى جانبه القوى المفترض أنها تقف إلى جانبه في مثل هذه المحطات، وقد تابعنا كيف وصف الرئيس نجيب ميقاتي هذه الحكومة وقال إنها تحمل عناصر تفجير داخلها، وكيف قالت الجماعة الإسلامية في بيانها إن صفة «الوحدة الوطنية» لا ينطبق على حكومة قامت على المحاصصة والإستنسابية والمساومات.
لقد كان الأجدر بالرئيس سعد الحريري أن يعمل على تمثيل كافة قطاعات الساحة الإسلامية في هذه الحكومة، لضمان وحدة هذه الساحة في مواجهة التحديات التي تواجهها وتواجه مشروع بناء الدولة في المرحلة المقبلة، وأن لا يحتكر للمستقبل هذا التمثيل، مع احترامنا لكل الوزراء الذين عيّنوا في هذه الحكومة. المرحلة كانت تقتضي أن تكون هذه الساحة متكاملة في ما بينها للمضي في مشروع بناء الدولة، وحماية المشروع الوطني الذي بات مهدداً من مشاريع أخرى توصف بأنها غير وطنية بل تعبّر عن ذهنيات خارج إطار الوطنية والشراكة الحقيقية الفعلية. ولا بدّ هنا من التذكير أن المملكة العربية السعودية سعت من أجل أن تنفتح في علاقاتها على كافة المكوّنات اللبنانية على المستويين الديني والسياسي، وتخلّت عن مفهوم حصرية التمثيل أو العلاقة الأحادية، إلا أن هذه المحطة الحكومية جعلت ممارسة الرئيس المكلف تختلف عن الشعار، وجعلها تخضع لمنطق الخسارة والربح الانتخابي، وبالتالي فإن ذلك يضعف الساحة الإسلامية، ومعها المشروع الوطني، مشروع بناء دولة المؤسسات والمواطنة.
لقد اتسع التمثيل عند المكوّنات الأخرى في البلد لكل القوى السياسية لتشارك في الحكومة، إلا في الساحة الإسلامية ضاق بمكوّناتها، وكأن البعض لم يتعظ ولم يتعلم من تجربة السنوات والمراحل الماضية ليضيف إلى خسائره خسائر قد تمنى بها ساحتنا الإسلامية لاحقاً، وأرجو أن أكون مخطئاً.