وائل نجم -كاتب وباحث

فجر يوم الاثنين الماضي استهدفت سلسلة تفجيرات بلدة القاع المسيحية في أقصى شرق البقاع بين بلدتي عرسال والهرمل، ووفقاً للرواية الرسمية فقد أقدم أربعة أشخاص «انتحاريين» على تفجير أنفسهم في بلدة القاع عند الساعة الرابعة فجراً داخل أحياء البلدة وعلى بعد أمتار من مركز الجمارك اللبنانية، وبفارق عشر دقائق بين كل «انتحاري» وآخر، وقد أدت هذه التفجيرات إلى سقوط خمسة قتلى وعشرة جرحى من المدنيين من أهل البلدة.
وعند العاشرة من ليل الاثنين - الثلاثاء عادت البلدة وتعرضت لهجمة جديدة من التفجيرات، حيث قالت الرواية الرسمية أيضاً إن خمسة أشخاص «انتحاريين» أقدموا على تفجير أنفسهم أيضاً داخل البلدة في أوقات متفاوتة، ما أدّى إلى جرح ثلاثة عشر شخصاً من المدنيين أيضاً، وشددت الرواية الرسمية على أن التفجيرات المسائية لم تكن بأحزمة ناسفة إنما بقنابل يدوية. وهنا تسجل عدة ملاحظات حول الروايات، إلا أن السؤال الأساسي يبقى: هل تأتي هذه التفجيرات في سياق العمل الانتقامي أم في سياق الرسائل السياسية؟ وتالياً من هي الجهة الحقيقية التي تقف خلفها؟ ولماذا؟
أولاً بالنسبة إلى الروايات التي سيقت عن حادثتي التفجير فإنها غير متماسكة وغير مقنعة بأي شكل من الاشكال، إذ كيف يمكن أن يقدم ثمانية «انتحاريين» في يوم واحد، بل في ساعات متقاربة على تفجير أنفسهم بهذه الطريقة الجماعية، وفي وقت فيه تفاوت بسيط بين تفجير وآخر، في منطقة حدودية تشهد إجراءات أمنية مشددة للجيش والقوى الأمنية من الجهة اللبنانية، وتخضع لسيطرة النظام السوري بالكامل من الجهة السورية، فضلاً عن أن هاتين الروايتين تشبهان إلى حد كبير المشاهد التي ترد غالباً في الافلام البوليودية.
أما في ما يتصل بالأسباب والاهداف التي ربما تكون خلف هذه التفجيرات، فهي ترتبط بالجهة المسؤولة عنها بشكل أساسي، وإلى الآن لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن التفجيرات، وإن كان الجميع قد أخذ الموضوع باتجاه اتهام تنظيم الدولة «داعش» حيث شنّ الكثير من الاعلام حملة واسعة اتهم فيها مخيمات اللاجئين السوريين بالمسؤولية عن ذلك على خلفية خروج «الانتحاريين» المفترضين من تلك المخيمات، فيما اللافت أن وزير الداخلية، نهاد المشنوق، عند زيارته لبلدة القاع، أكد أن المعلومات التي بحوزة القوى الأمنية تؤكد أن الاشخاص «الانتحاريين» المفترضين أتوا من الجانب والجهة السورية وليس من المخيمات. واللافت في هذا الاطار أيضاً أن وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، شنّ قبل يوم واحد حملة واسعة وعنيفة على اللاجئين السوريين، وطالب بإقفال المخيمات، وأعلن أن البلديات التي يسيطر عليها حزبه (التيار الوطني الحر) ستعمد إلى طرد السوريين منها، وستمنعهم من العمل في إطارها البلدي، وقد كرر مثل هذه التصريحات أثناء زيارته بلدة القاع المستهدفة.
وبالعودة إلى الأسباب والاهداف أيضاً، فإن معرفة الجهة المسؤولة عن التفجيرات يمكن أن تجعلنا نعرف تلك الاسباب. وهنا لا بدّ من الاشارة إلى أن الاستثمار السياسي عنصر مهم جداً في معرفة واكتشاف تلك الاسباب. وهنا لا بدّ من الاشارة إلى أن موجات التفجير التي حصلت فجراً ومساءً في القاع كانت تحمل هدفاً سياسياً معيناً، قد يكون من بنوده تهجير بلدة القاع المسيحية من منطقة الحدود، وتوسيع الفجوة بين اللاجئين السوريين من جهة والمجتمع المسيحي تحديداً من جهة ثانية بشكل خاص، فضلاً عن بقية اللبنانيين والدولة اللبنانية، وذلك استكمالاً لمشروع «تطهير» المنطقة من الوجود السوري أولاً، ومن أبناء المنطقة بشكل عام، حتى تتحوّل إلى لون طائفي ومذهبي واحد، فضلاً عن أن توريط الجيش اللبناني بمعارك جديدة يجري استثمارها في المحافل الدولية من ضمن التسويق للحرب على الأرهاب، ولذلك فإن هذه التفجيرات لم تأت من فراغ، ولا بهدف الانتقام، إذ إن أهالي بلدة القاع احتضنوا اللاجئين السوريين المتهمين بتصدير «الانتحاريين» المفترضين من مخيماتهم، ولم يتعاملوا بأي إساءة أو تضييق، فلماذا يقوم هؤلاء بالانتقام من هذه البلدة؟! ومعروف أيضاً أن قسماً كبيراً من أبنائها من المؤيدين للثورة السورية والداعمين لها. كما أن مسألة الحديث عن إمارة جديدة للتنظيمات الاسلامية في البقاع انطلاقاً من بلدة القاع يبدو افتراضاً هشّاً لا يقنع أحداً، إذ إن البلدة تقع على الحدود المقفلة أصلاً من الجانب السوري بقوات النظام، وهي محاطة من الجانب اللبناني ببلدات معظمها من النسيج الاجتماعي الداعم للاحزاب الدائرة في فلك النظام السوري. وهنا تجدر الإشارة إلى أن البعض في لبنان شكّك برواية وجود هذا العدد من الانتحاريين اصلاً، وأشار إلى فرضية وجود العبوات الناسفة، والقنابل اليدوية في المكان، وهنا يمكن القول إن التفجيرات تأتي في سياق الاستثمار السياسي من خلال الرسائل التي تحملها، وليس في سياق الانتقام أو المشاريع أو الطموحات التي يمكن أن يقدم عليها أي عاقل.
وأما في مجال الحديث عن الرسائل، فقد ذهب البعض إلى الحديث عن فرضية العمل لتحضير الاجواء داخلياً وخارجياً إلى معارك جديدة في سوريا ينخرط فيها بعض اللبنانيين وتحتاج إلى غطاء لتبرير الانخراط فيها، وإقناع الرأي العام بجدواها، وهنا جاء الاستغلال ليتم ضرب عدة عصافير بحجر واحد، بل وذهب البعض إلى أبعد من ذلك عندما تحدث عن رابط معيّن بين تفجير بيروت الذي استهدف بنك لبنان والمهجر في أول رمضان، وبين هذه التفجيرات.
أما عن تداعيات هذه التفجيرات فيكاد يتفق الجميع في لبنان على أنها لا ترقى في المرحلة الحالية إلى مستوى الاهداف السياسية، أو المشاريع السياسية التي تستهدف الأمن اللبناني والاستقرار فيه، وإن كان اللاجئون السوريون سيدفعون ثمناً جراء هذه الرسائل الدموية، وستزيد معاناتهم اليومية بانتظار حسم الامور في سوريا حرباً أو سلماً.