وائل نجم

تأخير الحكومة والحديث عن سحب التكليف

مطالعات دستورية وسياسية فارغة المضمون

بقلم : وائل نجم

قرابة ثلاثة أشهر مرّت على تكيلف الرئيس سعد الحريري، تشكيل الحكومة , من دون أن تبرز أية بادرة تفاؤل جدّية وحقيقية لقرب إعلان الحكومة. الأسباب عديدة وكثيرة، بعضها بارز وظاهر، وبعضها الآخر مختفٍ خلف مطالب وسقوف عالية. بعضها داخلي كما يصرّح معظم المعنيّين، وبعضها خارجي كما يوحي بعضهم. المهم في كل ذلك أن الفترة التي مضت إلى الآن لم تشهد ولادة الحكومة، وما زال لبنان يدور في الدائرة المفرغة، وما إن يخرج من المربع الأول حتى يعود إليه، ويدفع بذلك المواطنون الأثمان من لقمة عيشهم ومستوى معيشتهم ومستقبل أبنائهم.

جرى خلال الأيام الأخيرة الحديث بشكل خجول عن سحب التكليف من الرئيس المكلّف. أحد النواب "القبضايات" طرح سحب التكليف من الرئيس المكلف وكان لم ينقضِ بعد على تكليفه سوى أسابيع قليلة. ربما هذا النائب ظنّ أن زمن الوصاية الذي كان يعمل فيه كجزء من ذاك النظام الذي كان يدير البلد قد عاد, وبإمكانه إدارة البلد بتلك الطريقة الفجّة التي كان أساسها في حينه ساكن بلدة "عنجر". ولكن الأمور قد اختلفت عن ذاك الزمن، ولا يمكن لأحد أن يتعامل مع غيره انطلاقاً من قاعدة أن فريقاً قد خسر وفريقاً آخر قد ربح في جولات العنف والصراع التي حصلت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. الفريق الوحيد الذي يصح القول إنه قد ربح, إلى الآن هو "إسرائيل". نعم هو "إسرائيل". قبل البعض بذلك أم لم يقبل. ارتضى أن يكون قد عمل في أجندتها أم لم يرتضِ. هذه هي الحقيقة، وهذا هو الواقع. أليست "إسرائيل" هي التي تفرض شروطها في المنطقة، وتحديداً في البقعة الملتهبة سورية؟! أليست رغبة "إسرائيل" هي التي تحققت إلى الآن في ذاك البلد؟! للأسف كل الخسائر التي ذهبت هناك، وأغلب النتائج إلى اليوم صبّت في صالح "إسرائيل"، ومع ذلك يأتي من يريد أن يصرف ما يظنّه انتصاراً على حساب شعبه، فيتعامل مع شركائه من موقع المنتصر عليهم في معركة لم يكونوا جزءاً منها، إلا إذا اعتبر نفسه جزءاً من ذاك الفريق الذي تحقق له ما يريد. ولذلك استعجل صرف مفاعيل هذا النصر من خلال الحديث المبكر عن سحب التكليف من الرئيس المكلف في محاولة لفرض أعراف دستورية جديدة تطيح تبقّى من الدستور ومن وثيقة الوفاق الوطني (الطائف).

البعض الآخر استمهل فترة أـطول حتى بدأ يهمس في مجالس خاصة عن سحب التكليف. هو يدرك جيداً أنه لا نصوص دستورية تتحدث عن سحب تكليف، ولا مهل دستورية لعملية التشكيل. بحث وفتّش ونقّب بعض "الفقهاء" الدستوريين عن تفسير دستوري يتيح خطوة سحب التكليف ليطيح بالرئيس المكلف، ولكنه لم يجد في الدستور، لا بشكل صريح ولا بشكل غير صريح , ما يغطّي هذه الخطوة المحتملة. الكل سينظر إلى مثل هذه الخطوة، فيما لو جرت، على أنها انقلاب على الدستور والطائف والعيش المشترك، والكثير سيتعامل معها بمنطق التصدّي للإنقلابات، لأنها تدخل البلد في مجهول لا يعرف أحد كيفية الخروج منه، لذلك حوّل هذا البعض "مطالعته" غير المنشورة من "دستورية" إلى "سياسية" , ولكنه حتى في السياسة لم يكن موفقاً فيها، إذ ما معنى أن يتمّ إثارة مثل هذه الطرح غير الدستوري من الناحية السياسية.

الحقيقة أن هذه المطالعات التي جرى الحديث عنها، سواء من الناحية الدستورية أو من الناحية السياسية فارغة المضمون, لا قيمة دستورية لها، وبالتالي لا تقدّم ولا تؤخّر. البعض يحاول أن يُحدِث أعرافاً دستورية جديدة تطيح بالنصوص الدستورية من ضمن الإطاحة التدريجية بالطائف، وباستقرار البلد. وهو ما تصدّت له القوى الإسلامية بكافة مكوّناتها من مرجعية دينية رسمية إلى رؤساء الحكومات إلى القوى السياسية , وصولاً إلى النواب السنّة من خارج دائرة الرئيس المكلّف، بوحدة موقف يرفض المس بصلاحيات الرئيس المكلف والرئاسة الثالثة.

لبنان اليوم يحتاج إلى تواضع من قبل القوى السياسية, كافة في مسألة تشكيل الحكومة، وفي مقدمة ذلك التنازل عن منطق المحاصصة وتحمّل المسؤولية بشكل جدّي.